للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلَا يُضِيرُ وَفِيهِ تَأْنِيسٌ لِقُلُوبِ الصَّحَابَةِ لِمَا عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الْأَسَفِ عَلَى فَوَاتِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا بِأَنَّهُمْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (ارْتَحِلُوا) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْفَائِتَةِ عَنْ وَقْتِ ذِكْرِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَغَافُلٍ أَوْ اسْتِهَانَةٍ، وَقَدْ بَيَّنَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّبَبَ فِي الْأَمْرِ بِالِارْتِحَالِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَامُوا فِيهِ وَلَفْظُهُ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُ ذَلِكَ كَانَ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ، بَلْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَيْقِظُوا حَتَّى وَجَدُوا حَرَّ الشَّمْسِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ الصَّلَاةَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأَحْوَالِهَا، وَقِيلَ تَحَرُّزًا مِنَ الْعَدُوِّ، وَقِيلَ انْتِظَارًا لِمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ، وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ غَفْلَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَقِيلَ لِيَسْتَيْقِظَ مَنْ كَانَ نَائِمًا وَيَنْشَطَ مَنْ كَانَ كَسْلَانًا.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَأْخِيرَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَالْحَدِيثَ مَدَنِيٌّ فَكَيْفَ يَنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ الْمُتَأَخِّرَ؟ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ النَّوْمِ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي قَالَ النَّوَوِيُّ: لَهُ جَوَابَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا يُدْرِكُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ ; لِأَنَّهَا نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ: حَالٌ كَانَ قَلْبُهُ فِيهِ لَا يَنَامُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ، وَحَالٌ يَنَامُ فِيهِ قَلْبُهُ وَهُوَ نَادِرٌ، فَصَادَفَ هَذَا أَيْ قِصَّةَ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَلَا يُقَالُ الْقَلْبُ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ مِنْ رُؤْيَةِ الْفَجْرِ مَثَلًا لَكِنَّهُ يُدْرِكُ إِذَا كَانَ يَقْظَانًا مُرُورَ الْوَقْتِ الطَّوِيلِ، فَإِنَّ مِنِ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ حَمِيَتِ الشَّمْسُ مُدَّةً طَوِيلَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا ; لِأَنَّا نَقُولُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كَانَ قَلْبُهُ إِذْ ذَاكَ مُسْتَغْرِقًا بِالْوَحْيِ، وَلَا يَلْزَمُ مَعَ ذَلِكَ وَصْفُهُ بِالنَّوْمِ، كَمَا كَانَ يَسْتَغْرِقُ حَالَةَ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ فِي الْيَقَظَةِ، وَتَكُونُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَيَانَ التَّشْرِيعِ بِالْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ كَمَا فِي قَضِيَّةِ سَهْوِهِ فِي الصَّلَاةِ.

وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا جَوَابُ ابْنُ الْمُنِيرِ: أَنَّ الْقَلْبَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ السَّهْوُ فِي الْيَقَظَةِ لِمَصْلَحَةِ التَّشْرِيعِ، فَفِي النَّوْمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، أَوْ عَلَى السَّوَاءِ. وَقَدْ أُجِيبَ عَلَى أَصْلِ الْإِشْكَالِ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ، مِنْهَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَنَامُ قَلْبِي أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالَةُ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَغْرِقُ بِالنَّوْمِ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ الْحَدَثُ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: كَأَنَّ قَائِلَ هَذَا أَرَادَ تَخْصِيصَ يَقَظَةِ الْقَلْبِ بِإِدْرَاكِ حَالَةِ الِانْتِقَاضِ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي خَرَجَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ: أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ وَهَذَا كَلَامٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ الَّذِي تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابٌ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْوِتْرِ فَتُحْمَلُ يَقَظَتُهُ عَلَى تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْيَقَظَةِ لِلْوِتْرِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ شَرَعَ فِي النَّوْمِ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ بِهِ وَبَيْنَ مَنْ شَرَعَ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِالْيَقَظَةِ. قَالَ: فَعَلَى هَذَا فَلَا تَعَارُضَ وَلَا إِشْكَالَ فِي حَدِيثِ النَّوْمِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ ; لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اطْمَأَنَّ فِي نَوْمِهِ لِمَا أَوْجَبَهُ تَعَبُ السَّيْرِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ بِكِلَاءَةِ الْفَجْرِ. اهـ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمُحَصَّلُهُ تَخْصِيصُ الْيَقَظَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي بِإِدْرَاكِهِ وَقْتَ الْوِتْرِ إِدْرَاكًا مَعْنَوِيًّا لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَأَنَّ نَوْمَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ كَانَ نَوْمًا مُسْتَغْرِقًا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بِلَالٍ لَهُ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَوْمَ بِلَالٍ كَانَ مُسْتَغْرِقًا. وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ خُصُوصِ السَّبَبِ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ السِّيَاقُ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ.

وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ