للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُحْتَاجَةً إِذْ ذَاكَ إِلَى السَّقْيِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فَسَقَى عَلَى غَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (وَايْمُ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَالْمِيمُ مَضْمُومَةٌ أَصْلُهُ ايْمُنُ اللَّهِ وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ لِلْقَسَمِ هَكَذَا ثُمَّ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ تَخْفِيفًا وَأَلِفُهُ أَلِفُ وَصْلٍ مَفْتُوحَةٌ وَلَمْ يَجِئْ كَذَلِكَ غَيْرُهَا، وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ ايْمُ اللَّهِ قَسَمِي، وَفِيهَا لُغَاتٌ جَمَعَ مِنْهَا النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَبَلَغَ بِهَا غَيْرُهُ عِشْرِينَ، وَسَيَكُونُ لَنَا إِلَيْهَا عَوْدَةٌ لِبَيَانِهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ التَّوْكِيدِ بِالْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ.

قَوْلُهُ: (أَشَدُّ مِلْأَةً) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ أَمْلَأُ مِنْهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ مَا بَقِيَ فِيهَا مِنَ الْمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا.

قَوْلُهُ: (اجْمَعُوا لَهَا) فِيهِ جَوَازُ الْأَخْذِ لِلْمُحْتَاجِ بِرِضَا الْمَطْلُوبِ مِنْهُ، أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ إِنْ تَعَيَّنَ، وَفِيهِ جَوَازُ الْمُعَاطَاةِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنَ الْهِبَاتِ وَالْإِبَاحَاتِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مِنَ الْمُعْطِي وَالْآخِذِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَسَوِيقَةٍ) الْعَجْوَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَالسَّوِيقَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَذَا الدَّقِيقَةُ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِضَمِّهَا مُصَغَّرًا مُثَقَّلًا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا) زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ كَثِيرًا وَفِيهِ إِطْلَاقُ لَفْظِ الطَّعَامِ عَلَى غَيْرِ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا أَيْ غَيْرَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْعَجْوَةِ وَغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (قَالَ لَهَا تَعَلَّمِينَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ اعْلَمِي، وَلِلْأَصِيلِيِّ قَالُوا وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَهَا ذَلِكَ بِأَمْرِهِ. وَقَدِ اشْتَمَلَ ذَلِكَ عَلَى عَلَمٍ عَظِيمٍ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ.

قَوْلُهُ: (مَا رَزِئْنَا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ - وَيَجُوزُ فَتْحُهَا - وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ أَيْ نَقَصْنَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْمَاءِ مِمَّا زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوْجَدَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِطْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَائِهَا فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مُخْتَلِطًا، وَهَذَا أَبْدَعُ وَأَغْرَبُ فِي الْمُعْجِزَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا نَقَصْنَا مِنْ مِقْدَارِ مَائِكِ شَيْئًا. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ فِيهَا النَّجَاسَةَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ عَنْ مَائِهَا بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّكَرُّمِ وَالتَّفَضُّلِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا) أَيْ أَشَارَتْ، وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ.

قَوْلُهُ: (يُغِيرُونَ) بِالضَّمِّ مِنْ أَغَارَ أَيْ دَفَعَ الْخَيْلَ فِي الْحَرْبِ.

قَوْلُهُ: (الصِّرْمَ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ أَبْيَاتًا مُجْتَمِعَةً مِنَ النَّاسِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: مَا أَرَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا) هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: مَا مَوْصُولَةٌ، وَأَرَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى أَعْلَمُ، وَالْمَعْنَى الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَتْرُكُونَكُمْ عَمْدًا لَا غَفْلَةً وَلَا نِسْيَانًا، بَلْ مُرَاعَاةً لِمَا سَبَقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، وَهَذِهِ الْغَايَةُ فِي مُرَاعَاةِ الصُّحْبَةِ الْيَسِيرَةِ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ سَبَبًا لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مَا أَرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ أَيْضًا: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا أَدْرِي يَعْنِي رِوَايَةَ الْأَصِيلِيِّ. قَالَ: وَمَا مَوْصُولَةٌ وَأَنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا نَافِيَةٌ وَأَنَّ بِمَعْنَى لَعَلَّ. وَقِيلَ: مَا نَافِيَةٌ وَإِنَّ بِالْكَسْرِ، وَمَعْنَاهُ لَا أَعْلَمُ حَالَكُمْ فِي تَخَلُّفِكُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا.

وَمُحَصَّلُ الْقِصَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ صَارُوا يُرَاعُونَ قَوْمَهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْلَافِ لَهُمْ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ. وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى الْكُفَّارِ بِمُجَرَّدِهِ يُوجِبُ رِقَّ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَتِ الْمَرْأَةُ فِي الرِّقِّ بِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهَا فَكَيْفَ وَقَعَ إِطْلَاقُهَا وَتَزْوِيدُهَا كَمَا تَقَدَّمَ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: أُطْلِقَتْ لِمَصْلَحَةِ الِاسْتِئْلَافِ الَّذِي جَرَّ دُخُولَ قَوْمِهَا أَجْمَعِينَ فِي الْإِسْلَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَمَانٌ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ عَهْدٌ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِثَمَنٍ إِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَرْأَةِ وَأَنَّهَا كَانَتْ مَعْصُومَةَ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَيَحْتَاجُ