لَا عَلَى لَفْظِ الطَّسْتِ ; لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ، وَ (حِكْمَةً وَإِيمَانًا) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الطَّسْتَ جُعِلَ فِيهَا شَيْءٌ يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ فَسُمِّيَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا مَجَازًا، أَوْ مَثَلًا لَهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَمْثِيلِ الْمَعَانِي كَمَا يُمَثَّلُ الْمَوْتُ كَبْشًا.
قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي تَفْسِيرِ الْحِكْمَةِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مُضْطَرِبَةٌ صَفَا لَنَا مِنْهَا أَنَّ الْحِكْمَةَ الْعِلْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ مَعَ نَفَاذِ الْبَصِيرَةِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ وَتَحْقِيقِ الْحَقِّ لِلْعَمَلِ بِهِ وَالْكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ، وَالْحَكِيمُ مَنْ حَازَ ذَلِكَ. اهـ مُلَخَّصًا.
وَقَدْ تُطْلَقُ الْحِكْمَةُ عَلَى الْقُرْآنِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَى النُّبُوَّةِ كَذَلِكَ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ فَقَطْ، وَعَلَى الْمَعْرِفَةِ فَقَطْ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ وَقَعَ غَيْرَ مَرَّةٍ لِكَوْنِ الْإِسْرَاءِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنِ اخْتِصَارِ الرَّاوِي، وَالْإِتْيَانُ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرَاخِي لَا يُنَافِي وُقُوعَ أَمْرِ الْإِسْرَاءِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا الْإطْبَاقُ وَالْعُرُوجُ بَلْ يُشِيرُ إِلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ، وَيُؤَيِّدُهُ تَرْجَمَةُ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (فَعَرَجَ) بِالْفَتْحِ أَيِ الْمَلَكُ (بِي) وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهِ عَلَى الِالْتِفَاتِ أَوِ التَّجْرِيدِ.
قَوْلُهُ: (افْتَحْ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَابَ كَانَ مُغْلَقًا. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ حِكْمَتُهُ التَّحَقُّقُ أَنَّ السَّمَاءَ لَمْ تُفْتَحْ إِلَّا مِنْ أَجْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَهُ مَفْتُوحًا.
قَوْلُهُ: (قَالَ جِبْرِيلُ) فِيهِ مِنْ أَدَبِ الِاسْتِئْذَانِ أَنَّ الْمُسْتَأْذِنَ يُسَمِّي نَفْسَهُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (أَأُرْسِلَ إِلَيْهِ) وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ أَوَأُرْسِلَ إِلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عَلَيْهِ أَصْلُ إِرْسَالِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَفْهَمَ عَنِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِ لِلْعُرُوجِ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ إِلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ الرَّجُلِ يَقُومُ مَقَامَ إِذْنِهِ ; لِأَنَّ الْخَازِنَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَنِ الْفَتْحِ لَهُ عَلَى الْوَحْيِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، بَلْ عَمِلَ بِلَازِمِ الْإِرْسَالِ إِلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ أَوَقَدْ بُعِثَ لَكِنَّهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُعُقِّبَتْ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهَا فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (أَسْوِدَةٌ) وَزْنُ أَزْمِنَةٍ وَهِيَ الْأَشْخَاصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَذَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ آدَمُ مَرْحَبًا، وَرِوَايَةُ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ بِعَكْسِ ذَلِكَ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ فَتُحْمَلُ هَذِهِ عَلَيْهَا إِذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ أَدَاةُ تَرْتِيبٍ.
قَوْلُهُ: (نَسَمُ بَنِيهِ) النَّسَمُ بِالنُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ جَمْعُ نَسَمَةٍ وَهِيَ الرُّوحُ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ رَوَاهُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ بَعْدَهَا مِيمٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَرْوَاحَ بَنِي آدَمَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَدْ جَاءَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ مُنَعَّمَةٌ فِي الْجَنَّةِ، يَعْنِي فَكَيْفَ تَكُونُ مُجْتَمِعَةً فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا؟ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى آدَمَ أَوْقَاتًا فَصَادَفَ وَقْتَ عَرْضِهَا مُرُورُ النَّبِيِّ ﷺ وَيَدُلُّ - عَلَى أَنَّ كَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إِنَّمَا هُوَ فِي أَوْقَاتٍ دُونَ أَوْقَاتٍ - قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ لَا تُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا أَبْدَاهُ هُوَ احْتِمَالًا أَنَّ الْجَنَّةَ كَانَتْ فِي جِهَةِ يَمِينِ آدَمَ وَالنَّارَ فِي جِهَةِ شِمَالِهِ، وَكَانَ يُكْشَفُ لَهُ عَنْهُمَا، اهـ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّسَمَ الْمَرْئِيَّةَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلِ الْأَجْسَادَ بَعْدُ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ الْأَجْسَادِ وَمُسْتَقَرُّهَا عَنْ يَمِينِ آدَمَ وَشِمَالِهِ. وَقَدْ أُعْلِمَ بِمَا سَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَسْتَبْشِرُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَحْزَنُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ، بِخِلَافِ الَّتِي فِي الْأَجْسَادِ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً قَطْعًا، وَبِخِلَافِ الَّتِي انْتَقَلَتْ مِنَ الْأَجْسَادِ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ. وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ وَيُعْرَفُ أَنَّ قَوْلَهُ نَسَمُ بَنِيهِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ فَإِذَا بِآدَمَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ