للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَدِيثِ جَرْهَدٍ وَمَا مَعَهُ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِعْطَاءَ حُكْمٍ كُلِّيٍّ وَإِظْهَارَ شَرْعٍ عَامٍّ، فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ، وَمَالكٍ فِي رِوَايَةٍ: الْعَوْرَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالْإِصْطَخْرِيُّ. قُلْتُ: فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي تَهْذِيبِهِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ، وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ قَوْلُ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ إِذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسَّ كَانَ بِدُونِ الْحَائِلِ، وَمَسُّ الْعَوْرَةِ بِدُونِ حَائِلٍ لَا يَجُوزُ. وَعَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي أَنَّ الْإِزَارَ لَمْ يَنْكَشِفْ بِقَصْدٍ مِنْهُ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ مِنْ جِهَةِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ وُقُوعُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمْ يُقَرَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِبَيَانِ التَّشْرِيعِ لِغَيْرِ الْمُخْتَارِ لَكَانَ مُمْكِنًا، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ الْبَيَانُ عَقِبَهُ كَمَا فِي قَضِيَّةِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ، وَسِيَاقُهُ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، وَالْجَوْزَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ظَاهِرٌ فِي اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ، وَلَفْظُهُ فَأَجْرَى رَسُولُ اللَّهِ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ وَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ) قِيلَ مُنَاسَبَةُ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَنَّهُمُ اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، وَهِيَ مِنْ آلَاتِ الْهَدْمِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ) هُوَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، بَلْ سَمِعَ مِنْهُ (فَقَالُوا مُحَمَّدٌ) وَسَمِعَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ (وَالْخَمِيسُ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ، وَالْجَوْزَقِيِّ الْمَذْكُورَةِ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَدَلَّتْ رِوَايَةُ ابْنِ عُلَيَّةَ هَذِهِ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةَ عَبْدِ الْوَارِثِ إِدْرَاجًا، وَكَذَا وَقَعَ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَثَابِتٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَبَعْضُ أَصْحَابِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، أَوْ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ.

قَوْلُهُ: (يَعْنِي الْجَيْشَ) تَفْسِيرٌ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ، وَأَدْرَجَهَا عَبْدُ الْوَارِثِ فِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا، وَسُمِّيَ خَمِيسًا ; لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: مُقَدِّمَةٌ، وَسَاقَةٌ، وَقَلْبٌ، وَجَنَاحَانِ. وَقِيلَ مِنْ تَخْمِيسِ الْغَنِيمَةِ، وَتَعَقَّبَهُ الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّ التَّخْمِيسَ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الْجَيْشَ خَمِيسًا فَبَانَ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (عَنْوَةً) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ قَهْرًا.

قَوْلُهُ: (أَعْطِنِي جَارِيَةً) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِذْنُهُ لَهُ فِي أَخْذِ الْجَارِيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْفِيلِ لَهُ إِمَّا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بَعْدَ أَنْ مُيِّزَ، أَوْ قَبْلُ عَلَى أَنْ تُحْسَبَ مِنْهُ إِذَا مُيِّزَ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِهَا لِتَقُومَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتُحْسَبَ مِنْ سَهْمِهِ.

قَوْلُهُ: (فَأَخَذَ) أَيْ فَذَهَبَ فَأَخَذَ.

قَوْلُهُ: (فَجَاءَ رَجُلٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ.

قَوْلُهُ: (خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا) ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ أَعْطَاهُ أُخْتَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ. انْتَهَى. وَكَانَ كِنَانَةُ زَوْجَ صَفِيَّةَ، فَكَأَنَّهُ طَيَّبَ خَاطِرَهُ لَمَّا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ صَفِيَّةَ بِأَنْ أَعْطَاهُ أُخْتَ زَوْجِهَا، وَاسْتِرْجَاعُ النَّبِيِّ صَفِيَّةَ مِنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِ جَارِيَةٍ مِنْ حَشْوِ السَّبْيِ لَا فِي أَخْذِ أَفْضَلِهِنَّ، فَجَازَ اسْتِرْجَاعُهَا مِنْهُ لِئَلَّا يَتَمَيَّزُ بِهَا عَلَى بَاقِي الْجَيْشِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ.

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْهُ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، وَإِطْلَاقُ الشِّرَاءِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ سَبْعَةُ أَرْؤُسٍ مَا يُنَافِي قَوْلَهُ هُنَا خُذْ جَارِيَةً إِذْ لَيْسَ هُنَا دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ. وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي، وَالْكَلَامَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهُ) أَيْ لِأَنَسٍ، وَثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّ،