حَصِيرٌ، وَلَا يُقَالُ لَهُ: خُمْرَةٌ. وَكُلُّ ذَلِكَ يُصْنَعُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
قَوْلُهُ: (وَصَلَّى جَابِرٌ. . . إِلَخْ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ مَوْلَى أَنَسٍ قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُنَاسٍ قَدْ سَمَّاهُمْ، قَالَ: وَكَانَ إِمَامُنَا يُصَلِّي بِنَّا فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا وَنُصَلِّي خَلْفَهُ قِيَامًا، وَلَوْ شِئْنَا لَأَرْفَيْنَا أَيْ لَأَرْسَيْنَا. يُقَالُ أَرْسَى السَّفِينَةَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَأَرْفَى بِالْفَاءِ إِذَا وَقَفَ بِهَا عَلَى الشَّطِّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْحَسَنُ: تُصَلِّي قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ السَّفِينَةِ (وَإِلَّا فَقَاعِدًا) أَيْ: وَإِنْ شَقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ فَصَلِّ قَاعِدًا، وَقَدْ رَوَيْنَا أَثَرَ الْحَسَنِ فِي نُسْخَةِ قُتَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْهُ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، وَابْنَ سِيرِينَ، وَعَامِرًا - يَعْنِي الشَّعْبِيَّ - عَنِ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: إِنْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ فَلْيَخْرُجْ. غَيْرَ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنْ لَمْ يُؤْذِ أَصْحَابَهُ، أَيْ فَلْيُصَلِّ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: صَلِّ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ. وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: دُرْ فِي السَّفِينَةِ كَمَا تَدُورُ إِذَا صَلَّيْتَ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَجْهُ إِدْخَالِ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا صَلَاةٌ عَلَى غَيْرِ الْأَرْضِ، لِئَلَّا يَتَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْأَرْضِ شَرْطٌ، لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: تَرِّبْ وَجْهَكَ. انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَثَرُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ، وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَجْوِيزِهِ الصَّلَاةَ فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَفِي هَذَا الْأَثَرِ جَوَازُ رُكُوبِ الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَالْحَمَوِيِّ، وَلِلْبَاقِينَ: إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ) هي بِضَمِّ الْمِيمِ تَصْغِيرُ مَلِكَةٍ، وَالضَّمِيرُ فِي جَدَّتِهِ يَعُودُ عَلَى إِسْحَاقَ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَعَبْدُ الْحَقِّ، وَعِيَاضٌ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ. وَجَزَمَ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ، وَابْنُ الْحَصَّارِ بِأَنَّهَا جَدَّةُ أَنَسٍ وَالِدَةُ أُمِّهِ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَكَلَامِ عَبْدِ الْغَنِيِّ فِي الْعُمْدَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَيْنَاهُ فِي فَوَائِدِ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى الْمُقَدَّمِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَرْسَلَتْنِي جَدَّتِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَاسْمُهَا مُلَيْكَةُ فَجَاءَنَا فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، الْحَدِيثَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ، فَسَاقَ نَسَبَهَا إِلَى عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَقَالَ: وَهِيَ الْغُمَيْصَاءُ وَيُقَالُ: الرُّمَيْسَاءُ، وَيُقَالُ: اسْمُهَا سَهْلَةُ، وَيُقَالُ: أُنَيْفَةُ أَيْ بِالنُّونِ وَالْفَاءِ الْمُصَغَّرَةِ وَيُقَالُ رُمَيْثَةُ، وَأُمُّهَا مُلَيْكَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ عَدِيٍّ، فَسَاقَ نَسَبَهَا إِلَى مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، ثُمَّ قَالَ: تَزَوَّجَهَا أَيْ أُمَّ سُلَيْمٍ مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَأَبَا عُمَيْرٍ.
قُلْتُ: وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ وَالِدُ إِسْحَاقَ، رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ لِأُمِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ مَنْ أَعَادَ الضَّمِيرَ فِي جَدَّتِهِ إِلَى إِسْحَاقَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ أُمِّ سُلَيْمٍ مُلَيْكَةَ، وَمُسْتَنَدُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَفَفْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الصُّفُوفِ، وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ طَوَّلَهَا مَالِكٌ وَاخْتَصَرَهَا سُفْيَانُ، وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُهَا فَلَا تُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ، وَكَوْنُ مُلَيْكَةَ جَدَّةَ أَنَسٍ لَا يَنْفِي كَوْنَهَا جَدَّةَ إِسْحَاقَ لِمَا بَيَّنَّاهُ، لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي سَأَذْكُرُهَا عَنْ غَرَائِبِ مَالِكٍ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ مُلَيْكَةَ اسْمُ أُمِّ سُلَيْمٍ نَفْسِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (لِطَعَامٍ) أَيْ لِأَجْلِ طَعَامٍ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ مَجِيئَهُ كَانَ لِذَلِكَ لَا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ لِيَتَّخِذُوا مَكَانَ صَلَاتَهُ مُصَلًّى لَهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ الْآتِيَةِ، وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِهِ بَدَأَ فِي قِصَّةِ عِتْبَانَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الطَّعَامِ، وَهُنَا بِالطَّعَامِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَبَدَأَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute