للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلَعَلَّ لَهُ عُذْرًا فِي ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ لِحَاطِبٍ.

قَوْلُهُ: (أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ولِلطَّيَالِسِيِّ: أَمَا يَقُولُ وَلِمُسْلِمٍ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ أَنْ لَا جَزْمَ بِذَلِكَ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا فِي جَوَابِهِ إِنَّهُ لَيَقُولُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، عَنْ عِتْبَانَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ) أَيْ تَوَجُّهَهُ.

قَوْلُهُ: (وَنَصِيحَتُهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يُقَالُ: نَصَحْتُ لَهُ لَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: قَدْ ضُمِّنَ مَعْنَى الِانْتِهَاءَ، كَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: إِلَى الْمُنَافِقِينَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَجْهُهُ فَهُوَ الَّذِي يَتَعَدَّى بِإِلَى، وَأَمَّا مُتَعَلَّقُ نَصِيحَتِهِ فَمَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمَاضِي، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مُعَلَّقٌ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ سَأَلْتُ) زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحُصَيْنُ بِمُهْمَلَتَيْنِ لِجَمِيعِهِمْ إِلَّا لِلْقَابِسِيِّ فَضَبَطَهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَغَلَّطُوهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ سَرَاتِهِمْ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ خِيَارِهِمْ، وَهُوَ جَمْعُ سَرِيٍّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ الْمُرْتَفِعُ الْقَدْرَ مِنْ سَرُوَ الرَّجُلُ يَسْرُو إِذَا كَانَ رَفِيعَ الْقَدْرِ، وَأَصْلُهُ مِنَ السَّرَاةِ وَهُوَ أَرْفَعُ الْمَوَاضِعِ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَقِيلَ هُوَ رَأْسُهَا.

قَوْلُهُ: (فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحُصَيْنُ سَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ عِتْبَانَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، وَلَيْسَ لِلْحُصَيْنِ وَلَا لِعِتْبَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ مَوَاضِعَ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْ عِتْبَانَ أَيْضًا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَسَمِعَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ مَعَ أَبِيهِ مِنْ عِتْبَانَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ سَمِعَ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ عِتْبَانَ فَأَنْكَرَهُ لِمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ مِنْ أَنَّ النَّارَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُوَحِّدِينَ، وَأَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يُعَذَّبُ، لَكِنْ لِلْعُلَمَاءِ أَجْوِبَةٌ عَنْ ذَلِكَ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ عَقِبَ حَدِيثِ الْبَابِ ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَائِضُ وَأُمُورٌ نَرَى أَنَّ الْأَمْرَ قَدِ انْتَهَى إِلَيْهَا، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَغْتَرَّ فَلَا يَغْتَرَّ وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ نَزَلَ فَرْضُهَا قَبْلَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ قَطْعًا، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَارِكَهَا لَا يُعَذَّبُ إِذَا كَانَ مُوَحِّدًا.

وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ قَالَهَا مُخْلِصًا لَا يَتْرُكُ الْفَرَائِضَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ يَحْمِلُ عَلَى أَدَاءِ اللَّازِمِ. وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَحْرِيمُ التَّخْلِيدِ أَوْ تَحْرِيمُ دُخُولِ النَّارِ الْمُعَدَّةِ لِلْكَافِرِينَ لَا الطَّبَقَةِ الْمُعَدَّةِ لِلْعُصَاةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَحْرِيمُ دُخُولِ النَّارِ بِشَرْطِ حُصُولِ قَبُولِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالتَّجَاوُزِ عَنِ السَّيِّئِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ: إِمَامَةُ الْأَعْمَى، وَإِخْبَارُ الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ عَاهَةٍ وَلَا يَكُونُ مِنَ الشَّكْوَى، وَأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ مَسَاجِدُ لِلْجَمَاعَةِ سِوَى مَسْجِدِهِ وَالتَّخَلُّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَطَرِ وَالظُّلْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاتِّخَاذُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ لِلصَّلَاةِ. وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ إِيطَانِ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَفِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا اسْتَلْزَمَ رِيَاءً وَنَحْوَهُ. وَفِيهِ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَأَنَّ عُمُومَ النَّهْيِ عَنْ إِمَامَةِ الزَّائِرِ مَنْ زَارَهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا كَانَ الزَّائِرُ هُوَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا مَنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ. وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا النَّبِيُّ أَوْ وَطِئَهَا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ دُعِيَ مِنَ الصَّالِحِينَ لِيُتَبَرَّكَ بِهِ أَنَّهُ يُجِيبُ (١) إِذَا أَمِنَ الْفِتْنَةَ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِتْبَانُ إِنَّمَا طَلَبَ بِذَلِكَ الْوُقُوفَ عَلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ بِالْقَطْعِ، وَفِيهِ إِجَابَةُ الْفَاضِلِ دَعْوَةَ الْمَفْضُولِ، وَالتَّبَرُّكُ بِالْمَشِيئَةِ وَالْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، وَاسْتِصْحَابُ الزَّائِرِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَدْعِيَ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَالِاسْتِئْذَانُ عَلَى الدَّاعِي فِي بَيْتِهِ وَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ طَلَبُ الْحُضُورِ، وَأَنَّ اتِّخَاذَ مَكَانٍ فِي الْبَيْتِ لِلصَّلَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ وَقْفِيَّتَهُ وَلَوْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ اجْتِمَاعُ أَهْلِ


(١) هذا فيه نظر، والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي لما جعل الله فيه البركة، وغيره لايقاس عليه، لما بينهما من الفرق العظيم، ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس. نسأل الله العافية