للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَمْرٌ أَوْ تَرْغِيبٌ يَخُصُّهُ، وَبَقِيَ مِنْهَا أَمْرَانِ يَخْتَصَّانِ بِالْجَهْرِيَّةِ (١)، وَهُمَا الْإِنْصَاتُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالِاسْتِمَاعُ لَهَا، وَالتَّأْمِينُ عِنْدَ تَأْمِينِهِ لِيُوَافِقَ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ أَنَّ السَّبْعَ تَخْتَصُّ بِالْجَهْرِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهَاتٌ): (الْأَوَّلُ) مُقْتَضَى الْخِصَالِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا اخْتِصَاصُ التَّضْعِيفِ بِالتَّجَمُّعِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي نَظَرِي كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَهِيَ الْمَشْيُ وَالدُّخُولُ وَالتَّحِيَّةُ، فَيُمْكِنُ أَنْ تُعَوَّضَ مِنْ بَعْضِ مَا ذُكِرَ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى خَصْلَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَخِيرَتَيْنِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ غَيْرُ مَنْفَعَةِ عَوْدِ بَرَكَةِ الْكَامِلِ عَلَى النَّاقِصِ، وَكَذَا فَائِدَةُ قِيَامِ نِظَامِ الْأُلْفَةِ غَيْرُ فَائِدَةِ حُصُولِ التَّعَاهُدِ، وَكَذَا فَائِدَةُ أَمْنِ الْمَأْمُومِينَ مِنَ السَّهْوِ غَالِبًا غَيْرُ تَنْبِيهِ الْإِمَامِ إِذَا سَهَا. فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعَوَّضَ بِهَا الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ.

(الثَّانِي) لَا يَرِدُ عَلَى الْخِصَالِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا كَوْنُ بَعْضِ الْخِصَالِ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً دُونَ بَعْضٍ كَالتَّبْكِيرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَانْتِظَارِ إِحْرَامِ الْإِمَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِأَنَّ أَجْرَ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِقَاصِدِهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ كَمَا سَبَقَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) مَعْنَى الدَّرَجَةِ أَوِ الْجُزْءِ حُصُولُ مِقْدَارِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لِلْمُجْمِعِ، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إِلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ خِلَافَ ذَلِكَ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مُبَيَّنًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِلَفْظِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ، وَفِي أُخْرَى: صَلَاةٌ مَعَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ نَحْوُهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: كُلُّهَا مِثْلُ صَلَاتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِيَةِ حَيْثُ قَالَ تُضَعَّفُ لِأَنَّ الضِّعْفَ كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْمِثْلُ إِلَى مَا زَادَ لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى الْمِثْلَيْنِ، تَقُولُ: هَذَا ضِعْفُ الشَّيْءِ، أَيْ مِثْلُهُ أَوْ مِثْلَاهُ فَصَاعِدًا، لَكِنْ لَا يُزَادُ عَلَى الْعَشَرَةِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تُضَعَّفُ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَتَيِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ تَفْضُلُ أَيْ تَزِيدُ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَةِ فِي بَابِ مَسَاجِدِ السُّوقِ يُرِيدُ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تُسَاوِي صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ فَيَكُونُ لِمُصَلِّي الْجَمَاعَةِ ثَوَابُ سِتٍّ أَوْ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ مِنْ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى مُثَقَّلَةٌ، وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ، وَيُوَافِقُهُ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، لَكِنْ لَيْسَتْ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ رِوَايَةٌ.

قَوْلُهُ: (بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ) فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ زَادَ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: فَإِنْ صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً: وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ، بَلْ حَكَى النَّوَوِيُّ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا (٢) لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ:


(١) في هذا التخريج نظر، والأظهر عموم الحديث لجميع الصلوات الخمس، وذلك من زيادة فضل الله ﷾ لمن يحضر الصلاة في الجماعة. والله أعلم
(٢) ليس ما قاله النووي بجيد، والصواب وجوب الجماعة حضرا وسفرا كما يعلم ذلك من فعله ﷺ ومواظبته على الجماعة وقوله تعالى ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ الآية. وأما تفضيل صلاة من صلى في الفلاة فأتم ركوعها وسجودها على صلاة من صلى في الجماعة فليس فيه حجة على عدم وجوب الجماعة في السفر لأن أدلتها محكمة فلا تجوز مخالفتها لشيء محتمل. وإنما يجب حمل هذا النص - إن صح - على من صلى في الفلاة حسب طاقته من غير ترك الجماعة عند إمكانها فأتم ركوعها وسجودها مع كونه خاليا بربه بعيدا عن الناس، فشكر الله له هذا الإخلاص والاهتمام بأمر الصلاة فضاعف له هذا التضعيف. والله أعلم