للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِيَزْجُرَهَا عَنِ الْفَاحِشَةِ أَوْ لِيَعْتَذِرَ إِلَيْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَهُ بِقَلْبِهِ، قَالَ عِيَاضٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّمَا يَصْدُرُ ذَلِكَ عَنْ شِدَّةِ خَوْفٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَتِينِ تَقْوَى وَحَيَاءٍ.

قَوْلُهُ: (تَصَدَّقَ أَخْفَى) بِلَفْظِ الْمَاضِي، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هُوَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ تَصَدَّقَ فَأَخْفَى وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ فِي الزَّكَاةِ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا، وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ رَاوِيَ الْأُولَى حَذَفَ الْعَاطِفَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ تَصَدَّقَ إِخْفَاءً بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَمْدُودًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أَوْ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ أَيْ مُخْفِيًا، وَقَوْلُهُ بِصَدَقَةٍ نَكَّرَهَا لِيَشْمَلَ كُلَّ مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا يَشْمَلُ الْمَنْدُوبَةَ وَالْمَفْرُوضَةَ، لَكِنْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ إِظْهَارَ الْمَفْرُوضَةِ أَوْلَى مِنْ إِخْفَائِهَا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى لَا تَعْلَمَ) بِضَم الْمِيمِ وَفَتْحِهَا.

قَوْلُهُ: (شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَقْلُوبًا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِ الْحَدِيثِ أَغْفَلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَ أَفْرَدَ نَوْعَ الْمَقْلُوبِ لَكِنَّهُ قَصَرَهُ عَلَى مَا يَقَعُ فِي الْإِسْنَادِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَحَاسِنِ الِاصْطِلَاحِ وَمَثَّلَ لَهُ بِحَدِيثِ: إِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ الْمَعْكُوسَ. انْتَهَى. وَالْأَوْلَى تَسْمِيَتُهُ مَقْلُوبًا فَيَكُونُ الْمَقْلُوبُ تَارَةً فِي الْإِسْنَادِ وَتَارَةً فِي الْمَتْنِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْمُدْرَجِ سَوَاءً، وَقَدْ سَمَّاهُ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ مَقْلُوبًا، قَالَ عِيَاضٌ: هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْنَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَقْلُوبٌ أَوِ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الصَّدَقَةِ إِعْطَاؤُهَا بِالْيَمِينِ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ بَابُ الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْوَهْمُ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ مُسْلِمٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ لَمَّا أَوْرَدَهَا عَقِبَ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَلَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ لَبَيَّنَهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي قَوْلِهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ. انْتَهَى.

وَلَيْسَ الْوَهْمُ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ مُسْلِمٍ وَلَا مِنْهُ بَلْ هُوَ مِنْ شَيْخِهِ أَوْ مِنْ شَيْخِ شَيْخِهِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَابْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى وَأَشْعَرَ سِيَاقُهُ بِأَنَّ اللَّفْظَ لِزُهَيْرٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ زُهَيْرٍ، وَأَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَنْ أَبِي حَامِدِ بْنِ الشَّرْقِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ كَذَلِكَ، وَعَقَّبَهُ بِأَنْ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَامِدِ بْنِ الشَّرْقِيِّ يَقُولُ: يَحْيَى الْقَطَّانُ عِنْدَنَا وَاهِمٌ فِي هَذَا، إِنَّمَا هُوَ: حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ. قُلْتُ: وَالْجَزْمُ بِكَوْنِ يَحْيَى هُوَ الْوَاهِمُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَدْ رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى الصَّوَابِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَفِي الزَّكَاةِ عَنْ مُسَدَّدٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ، وَحَفْصِ بْنِ عُمَرَ، وَكُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى، وَكَأَنَّ أَبَا حَامِدٍ لَمَّا رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَدْ تَابَعَ زُهَيْرًا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَنَّ الْوَهْمَ مِنْ يَحْيَى، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ بِأَنْ يَكُونَ مِنْهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ هَذَيْنِ خَاصَّةً، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَهْمُ مِنْهُمَا تَوَارَدَا عَلَيْهِ. وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَوْجِيهَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَقْلُوبَةِ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الْمَخْرَجَ مُتَّحِدٌّ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ شَيْخِ يَحْيَى فِيهِ وَلَا عَلَى شَيْخِهِ خُبَيْبٍ وَلَا عَلَى مَالِكٍ رَفِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِيهِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ عِيَاضٍ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ مُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ مِثْلَ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَدْ عَكَسَهُ غَيْرُهُ فَوَاخَذَ مُسْلِمًا بِقَوْلِهِ مِثْلَ عُبَيْدِ اللَّهِ لِكَوْنِهِمَا لَيْسَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُسْلِمًا لَا يَقْصُرُ لَفْظَ الْمِثْلِ عَلَى الْمُسَاوِي فِي جَمِيعِ اللَّفْظِ وَالتَّرْتِيبِ، بَلْ هُوَ فِي الْمُعْظَمِ إِذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِنَّمَا هُوَ إِخْفَاءُ الصَّدَقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِلَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ مَالِكٍ مِنَ التَّرَدُّدِ هَلْ هُوَ عَنْهُ أَوْ عَنْ أَبِي