أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ، وَلَمْ يُسَمَّ فَاعِلُ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادٍ الْمَذْكُورَةِ، فَبَيَّنَ الْفَاعِلَ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَفْظُهُ فَقَالَ لِبِلَالٍ: إِنْ حَضَرَتِ الْعَصْرُ وَلَمْ آتِكَ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَقَامَ، ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ، وَنَحْوُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْمُؤَذِّنَ بِلَالٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَبِي بَكْرٍ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَفْهَمَهُ هَلْ يُبَادِرُ أَوَّلَ الْوَقْتِ، أَوْ يَنْتَظِرُ قَلِيلًا لِيَأْتِيَ النَّبِيُّ ﷺ؟ وَرُجِّحَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الْمُبَادَرَةُ؛ لِأَنَّهَا فَضِيلَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَا تُتْرَكُ لِفَضِيلَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَأُقِيمَ) بِالنَّصْبِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: نَعَمْ) زَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ إِنْ شِئْتَ وَهُوَ فِي بَابِ رَفْعِ الْأَيْدِي عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ، وَإِنَّمَا فُوِّضَ ذَلِكَ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ) أَيْ: دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَفْظُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَذْكُورُ: وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ، وَفِي رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: فَاسْتَفْتَحَ أَبُو بَكْرٍ الصَّلَاةَ وَهِيَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ حَيْثُ امْتَنَعَ أَبُو بَكْرٍ هُنَا أَنْ يَسْتَمِرَّ إِمَامًا، وَحَيْثُ اسْتَمَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ﷺ حِينَ صَلَّى خَلْفَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصُّبْحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي، فَكَأَنَّهُ لَمَّا أَنْ مَضَى مُعْظَمُ الصَّلَاةِ حَسُنَ الِاسْتِمْرَارُ، وَلَمَّا أَنْ لَمْ يَمْضِ مِنْهَا إِلَّا الْيَسِيرُ لَمْ يَسْتَمِرَّ. وَكَذَا وَقَعَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَيْثُ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ خَلْفَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ اسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ إِمَامًا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَقِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
قَوْلُهُ: (فَتَخَلَّصَ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ. وَلِمُسْلِمٍ: فَخَرَقَ الصُّفُوفَ حَتَّى قَامَ عِنْدَ الصَّفِّ الْمُتَقَدِّمِ.
قَوْلُهُ: (فَصَفَّقَ النَّاسُ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيحِ. قَالَ سَهْلٌ: أَتَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ؟ هُوَ التَّصْفِيقُ. انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرَادُفِهِمَا عِنْدَهُ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ) قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ؛ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ، فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لَا يُمْسَكُ عَنْهُ الْتَفَتَ.
قَوْلُهُ: (فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ: فَدَفَعَ فِي صَدْرِهِ لِيَتَقَدَّمَ فَأَبَى.
قَوْلُهُ: (فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْحَمْدِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ شُكْرًا لِلَّهِ، وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى، وَادَّعَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ أَشَارَ بِالشُّكْرِ وَالْحَمْدِ بِيَدِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ تَلَفَّظَ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ مَا عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَ رَفَعْتَ يَدَيْكَ؟ وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: رَفَعْتُ يَدَيَّ لِأَنِّي حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مِنْكَ، زَادَ الْمَسْعُودِيُّ: فَلَمَّا تَنَحَّى تَقَدَّمَ النَّبِيُّ ﷺ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ) فِي رِوَايَةِ الْحَمَّادَيْنِ وَالْمَاجِشُونِ: أَنْ يَؤُمَّ النَّبِيَّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِنْكَارَ إِنَّمَا حَصَلَ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَتِهِ لَا لِمُطْلَقِهِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ.
قَوْلَهُ: (مَنْ نَابَهُ) أَيْ: أَصَابَهُ.
قَوْلُهُ: (فَلْيُسَبِّحْ) فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (الْتُفِتَ إِلَيْهِ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ الْمَذْكُورَةِ: فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَّا الْتَفَتَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ، زَادَ الْحُمَيْدِيُّ: وَالتَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَقَدْ رَوَى