للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَدِلَّتَهُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ عَائِشَةُ، إِلَخْ) وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ (١) فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا غُلَامُهَا ذَكْوَانُ فِي الْمُصْحَفِ، وَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ غُلَامًا لَهَا عَنْ دُبُرٍ، فَكَانَ يَؤُمُّهَا فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ. وَوَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَائِشَةَ بِأَعْلَى الْوَادِي - هُوَ وَأَبُوهُ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَنَاسٌ كَثِيرٌ - فَيَؤُمُّهُمْ أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ لَمْ يُعْتَقْ، وَأَبُو عَمْرٍو الْمَذْكُورُ هُوَ ذَكْوَانُ، وَإِلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ الْعَبْدِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَخَالَفَ مَالِكٌ فَقَالَ: لَا يَؤُمُّ الْأَحْرَارَ إِلَّا إِنْ كَانَ قَارِئًا وَهُمْ لَا يَقْرَءُونَ فَيَؤُمُّهُمْ، إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا تُجْزِئُهُ إِذَا حَضَرَهَا.

قَوْلُهُ: (فِي الْمُصْحَفِ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْمُصَلِّي مِنَ الْمُصْحَفِ، وَمَنَعَ مِنْهُ آخَرُونَ؛ لِكَوْنِهِ عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ (٢).

قَوْلُهُ: (وَوَلَدِ الْبَغِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّشْدِيدِ، أَيِ: الزَّانِيَةُ، وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ رَوَاهُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّخْفِيفِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمَوْلَى لَكِنْ فُصِلَ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِأَثَرِ عَائِشَةَ، وَغَفَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ فَجَعَلَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ، وَإِلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا، وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا رَاتِبًا، وَعِلَّتُهُ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُعَرَّضًا لِكَلَامِ النَّاسِ فَيَأْثَمُونَ بِسَبَبِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَالِبِ مَنْ يُفَقِّهُهُ (٣) فَيَغْلِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَعْرَابِيِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ: سَاكِنِ الْبَادِيَةِ، وَإِلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا، وَخَالَفَ مَالِكٌ وَعِلَّتُهُ عِنْدَهُ غَلَبَةُ الْجَهْلِ عَلَى سَاكِنِ الْبَوَادِي، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يُدِيمُونَ نَقْصَ السُّنَنِ، وَتَرْكَ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ غَالِبًا

قَوْلُهُ: (وَالْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُرَاهِقَ، وَيُحْتَمَلُ الْأَعَمَّ، لَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهُ مَنْ كَانَ دُونَ سِنِّ التَّمْيِيزِ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَاعَى اللَّفْظَ الْوَارِدَ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: لَا يَؤُمُّ الْغُلَامَ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ - بِكَسْرِ اللَّامِ - أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا لَمْ يُسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ تَوَقَّفَ فِيهِ، فَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ، وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ زَمَانَ نُزُولِ الْوَحْيِ لَا يَقَعُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ التَّقْرِيرُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ أَبُو سَعِيدٍ، وَجَابِرٌ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْزِلُونَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ، وَأَيْضًا فَالْوَفْدُ الَّذِينَ قَدَّمُوا عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ كَانُوا جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ. وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ سِيَاقَ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرَائِضِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، الْحَدِيثَ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ قَالَ عَمْرٌو: فَمَا شَهِدْتُ مَشْهَدًا فِي جَرْمٍ (٤) إِلَّا كُنْتُ إِمَامَهُمْ وَهَذَا يَعُمُّ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ وَاحْتَجَّ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ بِأَنَّهُ أَمَرَ


(١) في مخطوطة الرياض " ابن أبي داود"
(٢) الصوابالجواز كما فعلت عائشة ، لأن الحاجة قد تدعوا. والعمل الكثير إذا كان لحاجة ولم يتوال لم يضر الصلاة لحمله أمامة بنت زينب في الصلاة، وتقدمه وتأخره في صلاة الكسوف، ولأدلة أخرى مدونه في موضعها. والله أعلم
(٣) كذا ولعله " ممن يفقه "
(٤) جرم بالجيم والراء الساكنة: هي قبيلة عمرو بن سلمة المذكور