للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنْ يَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ، قَالَ: فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا يَؤُمُّ مَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْهُ فَلَا يَؤُمُّ، كَذَا قَالَ، وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَأْمُورُ مَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ مِنَ الْبَالِغِينَ بِأَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ مَنِ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ أَكْثَرَ قُرْآنًا فَبَطَلَ مَا احْتَجَّ بِهِ، وَإِلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ الصَّبِيِّ ذَهَبَ أَيْضًا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَكَرِهَهَا مَالِكٌ، وَالثَّوْرَيُّ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمَا الْإِجْزَاءُ فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ.

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ النَّبِيِّ يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) أَيْ: فَكُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ جَازَتْ إِمَامَتُهُ مِنْ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ بِلَفْظِ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، الْحَدِيثَ.

وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا: إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: أَقْرَؤُهُمْ، عَلَى أَنَّ إِمَامَةَ الْكَافِرِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُمْنَعُ الْعَبْدُ مِنَ الْجَمَاعَةِ) هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُعَلَّقِ.

قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ عِلَّةٍ) أَيْ: بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِسَيِّدِهِ، فَلَوْ قَصَدَ تَفْوِيتَ الْفَضِيلَةِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ مُسْتَنَدَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِصَّةِ سَالِمٍ فِي أَوَّلِ حَدِيثَيِ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) هُوَ الْعُمَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ) أَيْ: مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ.

قَوْلُهُ: (الْعَصْبَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ قَدِمَ كَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: نَزَلُوا الْعُصْبَةَ أَيِ: الْمَكَانَ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ، وَهُوَ بِإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ فَقِيلَ: بِالْفَتْحِ، وَقِيلَ: بِالضَّمِّ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي النِّهَايَةِ ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ: لَمْ يَضْبِطْهُ الْأَصِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ، وَالْمَعْرُوفُ الْمُعَصَّبُ بِوَزْنِ مُحَمَّدٍ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ) زَادَ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ: وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ - أَيِ ابْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ - وَزَيْدٌ - أَيِ: ابْنُ حَارِثَةَ -، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَاسْتُشْكِلَ ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ فِيهِمْ إِذْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ رَفِيقَهُ، وَوَجَّهَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَالِمٌ الْمَذْكُورُ اسْتَمَرَّ عَلَى الصَّلَاةِ بِهِمْ فَيَصِحُّ ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ إِجْمَاعُ كِبَارِ الصَّحَابَةِ الْقُرَشِيِّينَ عَلَى تَقْدِيمِ سَالِمٍ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ سَالِمٌ الْمَذْكُورُ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَعْتَقَتْهُ، وَكَأَنَّ إِمَامَتَهُ بِهِمْ كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ، وَبِذَلِكَ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يُمْنَعُ الْعَبْدُ. وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَازَمَ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بَعْدَ أَنْ عُتِقَ فَتَبَنَّاهُ، فَلَمَّا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ مَوْلَاهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. وَاسْتُشْهِدَ سَالِمٌ بِالْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ .

قَوْلُهُ: (وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) إِشَارَةً إِلَى سَبَبِ تَقْدِيمِهِمْ لَهُ مَعَ كَوْنِهِمْ أَشْرَفَ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا.

قَوْلُهُ: (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) أَيْ: فِيمَا فِيهِ طَاعَةٌ لِلَّهِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنِ اسْتُعْمِلَ) أَيْ: جُعِلَ عَامِلًا، وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ يَحْيَى: وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، وَهُوَ أَصْرَحُ فِي مَقْصُودِ التَّرْجَمَةِ، وَذَكَرَهُ بَعْدَ بَابٍ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: قَالَ النَّبِيُّ لِأَبِي ذَرٍّ: اسْمَعْ وَأَطِعِ، الْحَدِيثَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ أَيْضًا، لَكِنْ بِإِسْنَادٍ لَهُ آخَرُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُونِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي: أَنِ اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِيهِ قِصَّةُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ انْتَهَى إِلَى الرَّبَذَةِ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَإِذَا عَبْدٌ يَؤُمُّهُمْ، قَالَ: فَقِيلَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَذَهَبَ