للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْخُشُوعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكْتُبهُ الْحَافِظَانِ قَطْعًا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: فَمَنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِيءُ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُمَيٍّ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ إِذَا اسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: فَيَقُولُ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ لِبَعْضٍ: مَا حَبَسَ فُلَانًا؟ فَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ ضَالًّا فَاهْدِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَعَافِهِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْحَضُّ عَلَى الِاغْتِسَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفَضْلُهُ، وَفَضْلُ التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا، وَأَنَّ الْفَضْلَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ جَمَعَهُمَا. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أُطْلِقَ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ مِنْ تَرَتُّبِ الْفَضْلِ عَلَى التَّبْكِيرِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْغُسْلِ.

وَفِيهِ أَنَّ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْفَضْلِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الصَّدَقَةِ غَيْرُ مُحْتَقَرٍ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّ التَّقَرُّبَ بِالْإِبِلِ أَفْضَلُ مِنَ التَّقَرُّبِ بِالْبَقَرِ وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ فِي الْهَدْيِ، وَاخْتُلِفَ فِي الضَّحَايَا، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا كَذَلِكَ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ التَّقَرُّبَيْنِ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودَيْنِ، لِأَنَّ أَصْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ التَّذْكِيرُ بِقِصَّةِ الذَّبِيحِ، وَهُوَ قَدْ فُدِيَ بِالْغَنَمِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْهَدْيِ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَنَاسَبَ الْبُدْنَ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا سَيَأْتِي نُقِلَ الْخِلَافُ فِيهِ بَعْدَ أَبْوَابٍ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ تَقْسِيمُ السَّاعَةِ إِلَى خَمْسٍ. ثُمَّ عُقِّبَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ، وَخُرُوجُهُ عِنْدَ أَوَّلِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي أَوَّلِ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَهِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرَ الْإِتْيَانِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَلَعَلَّ السَّاعَةَ الْأُولَى مِنْهُ جُعِلَتْ لِلتَّأَهُّبِ بِالِاغْتِسَالِ وَغَيْرِهِ، وَيَكُونُ مَبْدَأُ الْمَجِيءِ مِنْ أَوَّلِ الثَّانِيَةِ فَهِيَ أُولَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجِيءِ ثَانِيَةً بِالنِّسْبَةِ لِلنَّهَارِ، وَعَلَى هَذَا فَآخِرُ الْخَامِسَةِ أَوَّلُ الزَّوَالِ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الصَّيْدَلَانِيُّ شَارِحُ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ التَّبْكِيرِ يَكُونُ مِنِ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، وَهُوَ أَوَّلُ الضُّحَى، وَهُوَ أَوَّلُ الْهَاجِرَةِ. وَيُؤَيِّدُهُ الْحَثُّ عَلَى التَّهْجِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ.

وَلِغَيْرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ اخْتَلَفَ فِيهِمَا التَّرْجِيحُ، فَقِيلَ: أَوَّلُ التَّبْكِيرِ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ التَّأَهُّبُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُ الْغُسْلُ إِذَا كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ الرَّاوِي، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سُمَيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْهُ زِيَادَةُ مَرْتَبَةٍ بَيْنَ الدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ وَهِيَ الْعُصْفُورُ، وَتَابَعَهُ صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ فِي التَّرْغِيبِ لَهُ بِلَفْظِ: فَكَمُهْدِي الْبَدَنَةِ إِلَى الْبَقَرَةِ إِلَى الشَّاةِ إِلَى عِلْيَةِ الطَّيْرِ إِلَى الْعُصْفُورِ الْحَدِيثَ، وَنَحْوُهُ فِي مُرْسَلِ طَاوُسٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ زِيَادَةُ الْبَطَّةِ بَيْنَ الْكَبْشِ وَالدَّجَاجَةِ، لَكِنْ خَالَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ فِي مَعْمَرٍ فَلَمْ يَذْكُرْهَا، وَعَلَى هَذَا فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَكُونُ عِنْدَ انْتِهَاءِ السَّادِسَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَاتِ مَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إِلَيْهِ مِنَ الْعُرْفِ فِيهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَاخْتَلَفَ الْأَمْرُ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي وَالصَّائِفِ، لِأَنَّ النَّهَارَ يَنْتَهِي فِي الْقِصَرِ إِلَى عَشْرِ سَاعَاتٍ وَفِي الطُّولِ إِلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ لِلْقَفَّالِ، وَأَجَابَ عَنْهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَاتِ مَا لَا يَخْتَلِفُ عَدَدُهُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ، فَالنَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً لَكِنْ يَزِيدُ كُلٌّ مِنْهَا وَيَنْقُصُ وَاللَّيْلُ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ تُسَمَّى السَّاعَاتِ الْآفَاقِيَّةَ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيقَاتِ وَتِلْكَ التَّعْدِيلِيَّةِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا

يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثِ التَّبْكِيرِ فَيُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي الْمُرَادِ