للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِالسَّاعَاتِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّاعَاتِ بَيَانُ مَرَاتِبِ الْمُبَكِّرِينَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى الزَّوَالِ وَأَنَّهَا تَنْقَسِمُ إِلَى خَمْسٍ، وَتَجَاسَرَ الْغَزَالِيُّ فَقَسَّمَهَا بِرَأْيِهِ فَقَالَ: الْأُولَى مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالثَّانِيَةُ إِلَى ارْتِفَاعِهَا، وَالثَّالِثَةُ إِلَى انْبِسَاطِهَا، وَالرَّابِعَةُ إِلَى أَنْ تَرْمَضَ الْأَقْدَامُ، وَالْخَامِسَةُ إِلَى الزَّوَالِ.

وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ الرَّدَّ إِلَى السَّاعَاتِ الْمَعْرُوفَةِ أَوْلَى وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ هَذَا الْعَدَدِ بِالذِّكْرِ مَعْنًى لِأَنَّ الْمَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةٌ جِدًّا، وَأَوْلَى الْأَجْوِبَةِ الْأَوَّلُ إِنْ لَمْ تَكُنْ زِيَادَةُ ابْنِ عَجْلَانَ مَحْفُوظَةً، وَإِلَّا فَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ. وَانْفَصَلَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَنِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَاتِ الْخَمْسِ لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ أَوَّلُهَا زَوَالُ الشَّمْسِ وَآخِرُهَا قُعُودُ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ السَّاعَةَ تُطْلَقُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الزَّمَانِ غَيْرِ مَحْدُودٍ، تَقُولُ: جِئْتُ سَاعَةَ كَذَا، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ رَاحَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الذَّهَابِ إِلَى الْجُمُعَةِ مِنَ الزَّوَالِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرَّوَاحِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى آخَرِ النَّهَارِ، وَالْغُدُوُّ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى الزَّوَالِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: تَمَسَّكَ مَالِكٌ بِحَقِيقَةِ الرَّوَاحِ وَتَجَوَّزَ فِي السَّاعَةِ وَعَكَسَ غَيْرُهُ. انْتَهَى.

وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَنَقَلَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ رَاحَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ بِمَعْنَى ذَهَبَ، قَالَ: وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَنَقَلَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبَيْنِ نَحْوَهُ. قُلْتُ: وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الزَّيْنِ بْنِ الْمُنِيرِ حَيْثُ أَطْلَقَ أَنَّ الرَّوَاحِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُضِيِّ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بِوَجْهٍ، وَحَيْثُ قَالَ: إِنَّ اسْتِعْمَالَ الرَّوَاحِ بِمَعْنَى الْغُدُوِّ لَمْ يُسْمَعْ وَلَا ثَبَتَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنِّي لَمْ أَرَ التَّعْبِيرَ بِالرَّوَاحِ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ هَذِهِ عَنْ سُمَيٍّ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ سُمَيٍّ بِلَفْظِ غَدَا وَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: الْمُتَعَجِّلُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ مَثَلَ الْجُمُعَةِ فِي التَّبْكِيرِ كَنَاحِرِ (١) الْبَدَنَةِ الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ غَدَتِ الشَّيَاطِينُ بِرَايَاتِهَا إِلَى الْأَسْوَاقِ، وَتَغْدُو الْمَلَائِكَةُ فَتَجْلِسُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَتَكْتُبُ الرَّجُلُ مِنْ سَاعَةٍ وَالرَّجُلُ مِنْ سَاعَتَيْنِ، الْحَدِيثَ، فَدَلَّ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّوَاحِ الذَّهَابُ، وَقِيلَ: النُّكْتَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِالرَّوَاحِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْمَقْصُودَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَيُسَمَّى الذَّاهِبُ إِلَى الْجُمُعَةِ رَائِحًا وَإِنْ لَمْ يَجِئْ وَقْتُ الرَّوَاحِ، كَمَا سُمِّيَ الْقَاصِدُ إِلَى مَكَّةَ حَاجًّا.

وَقَدِ اشْتَدَّ إِنْكَارُ أَحْمَدَ، وَابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهِيَةِ التَّبْكِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا خِلَافُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ . وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ مَثَلُ الْمُهَجِّرِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّهْجِيرِ وَهُوَ السَّيْرُ فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّهْج يرِ هُنَا التَّبْكِيرُ، كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنِ الْخَلِيلِ فِي الْمَوَاقِيتِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنَ الْهِجِّيرِ بِالْكَسْرِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَهُوَ مُلَازَمَةُ ذِكْرِ الشَّيْءِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ هَجَرَ الْمَنْزِلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَصْدَرَهُ الْهَجْرُ لَا التَّهْجِيرُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْحَقُّ أَنَّ التَّهْجِيرَ هُنَا مِنَ الْهَاجِرَةِ وَهُوَ السَّيْرُ وَقْتَ الْحَرِّ، وَهُوَ صَالِحٌ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَالِكٍ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: جُعِلَ الْوَقْتُ الَّذِي يَرْتَفِعُ فِيهِ النَّهَارُ وَيَأْخُذُ الْحَرُّ فِي الِازْدِيَادِ مِنَ الْهَاجِرَةِ تَغْلِيبًا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَإِنَّ الْحَرَّ يَأْخُذُ فِي الِانْحِطَاطِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اسْتِعْمَالِهِمُ التَّهْجِيرَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَا أَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي نَوَادِرِهِ لِبَعْضِ الْعَرَبِ: تَهْجُرُونَ تَهْجِيرَ الْفَجْرِ (٢)، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ السَّاعَةَ لَوْ لَمْ تَطُلْ للَزِمَ تَسَاوِي الْآتِينَ فِيهَا، وَالْأَدِلَّةُ تَقْتَضِي رُجْحَانَ السَّابِقِ،


(١) في مخطوطة الرياض " كأجر "
(٢) في المخطوطة "تهجيرالعرب "