٨٨٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَحُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ السِّوَاكِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا مُعَلَّقًا وَثَلَاثَةً مَوْصُولَةً، وَالْمُعَلَّقُ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الطِّيبِ لِلْجُمُعَةِ فَإِنَّ فِيهِ: وَأَنْ يَسْتَنَّ أَيْ: يُدَلِّكُ أَسْنَانَهُ بِالسِّوَاكِ. وَأَمَّا الْمَوْصُولَةُ فَأَوَّلُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ انْدِرَاجِ الْجُمُعَةِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: كُلِّ صَلَاةٍ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: لَمَّا خُصَّتِ الْجُمُعَةِ بِطَلَبِ تَحْسِينِ الظَّاهِرِ مِنَ الْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ وَالتَّطَيُّبِ نَاسَبَ ذَلِكَ تَطْيِيبُ الْفَمِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الذِّكْرِ وَالْمُنَاجَاةِ، وَإِزَالَةُ مَا يَضُرُّ الْمَلَائِكَةَ وَبَنِي آدَمَ. ثَانِي الْمَوْصُولَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ: أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: مُنَاسَبَتُهُ لِلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ سَبَبَ مَنْعِهِ مِنْ إِيجَابِ السِّوَاكِ وَاحْتِيَاجِهِ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ إِكْثَارِهِ عَلَيْهِمْ فِيهِ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ، وَلَا مَشَقَّةَ فِي فِعْلِ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ. ثَالِثُ الْمَوْصُولَةِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ ﷺ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ. وَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهِ أَنَّهُ شُرِعَ فِي اللَّيْلِ لِتَجَمُّلِ الْبَاطِنِ فَيَكُونُ فِي الْجُمُعَةِ أَحْرَى؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهَا التَّجَمُّلُ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي إِسْنَادِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ إِسْنَادٌ آخَرُ بِلَفْظٍ آخَرَ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى النَّاسِ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ مِنْ طَرِيقِ الْمُوَطَّأِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ: أَوْ عَلَى النَّاسِ لَمْ يُعِدْ قَوْلَهُ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ وَكَذَا رَوَاهُ كَثِيرٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُ أَكْثَرُهُمْ بِلَفْظِ: الْمُؤْمِنِينَ بَدَلُ أُمَّتِي وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثَيُّ بِلَفْظِ: عَلَى أُمَّتِي دُونَ الشَّكِّ.
قَوْلُهُ: (لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ) أَيْ: بِاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ، لِأَنَّ السِّوَاكَ هُوَ الْآلَةُ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا لَا تَقْدِيرَ، وَالسِّوَاكُ مُذَكَّرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَكَى فِي الْحِكَمِ تَأْنِيثَهُ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْأَزْهَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ) لَمْ أَرَهَا أَيْضًا فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى لَكِنْ بِلَفْظِ: عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَذَا النَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَخَالَفَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ فَقَالَ: مَعَ الْوُضُوءِ بَدَلَ الصَّلَاةِ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِهِ، قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: لَوْلَا كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِثُبُوتِ غَيْرِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ لَوْ الدَّالَّةِ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ وَلَا النَّافِيَةِ، فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمْرِ لِثُبُوتِ الْمَشَقَّةِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ النَّفْيِ ثُبُوتٌ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ مَنْفِيًّا لِثُبُوتِ الْمَشَقَّةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَفْيُ الْأَمْرِ مَعَ ثُبُوتِ النَّدْبِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ لِلنَّدْبِ لَمَا جَازَ النَّفْيُ، ثَانِيهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ مَشَقَّةً عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، إِذِ النَّدْبُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ جَائِزُ التَّرْكِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْعَاءَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لَيْسَ بِأَمْرٍ حَقِيقَةٍ لِأَنَّ السِّوَاكَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ الشَّارِعُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ اهـ.
وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ: لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ بَدَلَ لَأَمَرْتَهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ شَقَّ عَلَيْهِمْ بِهِ أَوْ لَمْ يَشُقَّ اهـ. وَإِلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ صَارَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، لَكِنْ حَكَى الشَّيْخُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute