أَبُو حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ: هُوَ وَاجِبٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَمَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَعَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ وَاجِبٌ لَكِنْ لَيْسَ شَرْطًا. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ، فَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: تَسَوَّكُوا وَلِأَحْمَدَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ، وَفِي الْمُوَطَّأِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ: عَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَالْمَنْفِيُّ فِي مَفْهُومِ حَدِيثِ الْبَابِ الْأَمْرُ بِهِ مُقَيَّدًا بِكُلِّ صَلَاةٍ لَا مُطْلَقُ الْأَمْرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمُقَيَّدِ نَفْيُ الْمُطْلَقِ وَلَا مِنْ ثُبُوتِ الْمُطْلَقِ التَّكْرَارُ كَمَا سَيَأْتِي.
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: كُلِّ صَلَاةٍ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةَ وَمَا ضَاهَاهَا مِنَ النَّوَافِلِ الَّتِي لَيْسَتْ تَبَعًا لِغَيْرِهَا كَصَلَاةِ الْعِيدِ، وَهَذَا اخْتَارَهُ أَبُو شَامَةَ، وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ: لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلَّ صَلَاةٍ كَمَا يَتَوَضَّئُونَ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ بِوُضُوءٍ، وَمَعَ كُلِّ وُضُوءٍ بِسِوَاكٍ، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا. وَكَمَا أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُنْدَبُ لِلرَّاتِبَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إِلَّا إِنْ طَالَ الْفَصْلُ مَثَلًا، فَكَذَلِكَ السِّوَاكُ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوُضُوءَ أَشَقُّ مِنَ السِّوَاكِ، وَيَتَأَيَّدُ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَسْتَاكُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَوْرَدَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ الِانْصِرَافِ وَالسِّوَاكِ نَوْمٌ، وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ مُبَيَّنًا أَيْضًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى كَوْنَ الْمَشَقَّةِ هِيَ الْمَانِعَةَ مِنَ الْأَمْرِ بِالسِّوَاكِ، وَلَا مَشَقَّةَ فِي وُجُوبِهِ مَرَّةً، وَإِنَّمَا الْمَشَقَّةُ فِي وُجُوبِ التَّكْرَارِ.
وَفِي هَذَا الْبَحْثِ نَظَرٌ، لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَمْ يُؤْخَذْ هُنَا مِنْ مُجَرَّدِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِكُلِّ صَلَاةٍ.
وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ أَنَّ الْمَنْدُوبَاتِ تَرْتَفِعُ إِذَا خُشِيَ مِنْهَا الْحَرَجُ. وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ. وَفِيهِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ مِنْهُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ نَصٌّ، لِكَوْنِهِ جَعَلَ الْمَشَقَّةَ سَبَبًا لِعَدَمِ أَمْرِهِ، فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَوَقِّفًا عَلَى النَّصِّ لَكَانَ سَبَبُ انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ عَدَمَ وُرُودِ النَّصِّ لَا وُجُودَ الْمَشَقَّةِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَفِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا مِنْهُ ﷺ بِأَنَّ سَبَبَ عَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ لَأَمَرْتُهُمْ أَيْ: عَنِ اللَّهِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ النَّسَائِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: كُلِّ صَلَاةٍ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ.
(فَائِدَةٌ): قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ كَوْنُهَا حالا تقرب إِلَى اللَّهِ، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ حَالَ كَمَالٍ وَنَظَافَةٍ إِظْهَارًا لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبَزَّارِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمَلَكِ الَّذِي يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ مِنَ الْمُصَلِّي، فَلَا يَزَالُ يَدْنُو مِنْهُ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرِجَالُ إِسْنَادِهِ بَصْرِيُّونَ، وَقَوْلُهُ: أَكْثَرْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: لَقَدْ أَكْثَرْتُ إِلَخْ أَيْ: بَالَغْتُ فِي تَكْرِيرِ طَلَبِهِ مِنْكُمْ، أَوْ فِي إِيرَادِ الأخبار فِي التَّرْغِيبِ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: مَعْنَاهُ: أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ، وَحَقِيقٌ أَنْ أَفْعَلَ، وَحَقِيقٌ أَنْ تُطِيعُوا. وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ رُوِيَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ، أَيْ: بُلِّغْتُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِطَلَبِهِ مِنْكُمْ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِلَى الْآنَ صَرِيحَةً.
(تَنْبِيهٌ): ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِلَفْظِ: عَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ رَشِيدٍ. وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ مُرْسَلًا، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ وَصَلَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ يَذْكُرُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ بَابِ الدُّهْنِ لِلْجُمُعَةِ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute