الشَّكُّ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنْ تَمَارَوْا فَإِنَّ مَعْنَاهُ تَجَادَلُوا، قَالَ الرَّاغِبُ: الِامْتِرَاءُ وَالْمُمَارَاةُ الْمُجَادَلَةُ، وَمِنْهُ ﴿فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ وَقَالَ أَيْضًا: الْمِرْيَةُ التَّرَدُّدُ فِي الشَّيْءِ، وَمِنْهُ ﴿فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾
قَوْلُهُ: (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ) فِيهِ الْقَسَمُ عَلَى الشَّيْءِ لِإِرَادَةِ تَأْكِيدِهِ لِلسَّامِعِ، وَفِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ، وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ عَلَى السُّؤَالِ، لَكِنَّ فَائِدَتَهُ إِعْلَامُهُمْ بِقُوَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَنَّ سَهْلًا قَالَ مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي.
قَوْلُهُ: (أَرْسَلَ إِلَخْ) هُوَ شَرْحُ الْجَوَابِ.
قَوْلُهُ: (إِلَى فُلَانَةَ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ أَبِي غَسَّانَ لِإِطْبَاقِ أَصْحَابِ أَبِي حَازِمٍ عَلَى قَوْلِهِمْ: مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَذَا قَالَ أَيْمَنُ، عَنْ جَابِرٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى اسْمِهَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ) سَمَّاهُ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَا أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، وَأَبُو سَعْدٍ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى جَمِيعًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قِيلَ لَهُ: لَوْ كُنْتَ جَعَلْتَ مِنْبَرًا. قَالَ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ نَجَّارٌ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ مَيْمُونٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ هَذَا السِّيَاقِ وَلَكِنْ لَمْ يُسَمِّهِ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْغِفَارِيِّ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ خَالٍ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: اخْرُجْ إِلَى الْغَابَةِ وَأْتِنِي مِنْ خَشَبِهَا فَاعْمَلْ لِي مِنْبَرًا الْحَدِيثَ. وَجَاءَ فِي صَانِعِ الْمِنْبَرِ أَقْوَالٌ أُخْرَى: أَحَدُهَا اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ. وَفِي إِسْنَادِهِ الْعَلَاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ الرَّوَّاسُ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، ثَانِيهَا بَاقُولٌ بِمُوَحَّدَةٍ وَقَافٍ مَضْمُومَةٍ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُنْقَطِعٍ، وَوَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ لَكِنْ قَالَ بَاقُومٌ آخِرُهُ مِيمٌ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا. ثَالِثُهَا صُبَاحٌ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ خَفِيفَةٌ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ أَيْضًا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشْكُوَالَ بِإِسْنَادٍ شَدِيدِ الِانْقِطَاعِ. رَابِعُهَا قَبِيصَةُ أَوْ قَبِيصَةُ الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمْ، ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ.
خَامِسُهَا كِلَابٌ مَوْلَى الْعَبَّاسِ كَمَا سَيَأْتِي. سَادِسُهَا تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ: أَلَا نَتَّخِذُ لَكَ مِنْبَرًا يَحْمِلُ عِظَامَكَ؟ قَالَ: بَلَى، فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا. الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَيْهِ ثَمَّ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَخْطُبُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى جِذْعٍ فَقَالَ: إِنَّ الْقِيَامَ قَدْ شَقَّ عَلَيَّ. فَقَالَ لَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ: أَلَا أَعْمَلُ لَكَ مِنْبَرًا كَمَا رَأَيْتُ يُصْنَعُ بِالشَّامِ؟ فَشَاوَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَرَأَوْا أَنْ يَتَّخِذَهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِنَّ لِي غُلَامًا يُقَالُ لَهُ كِلَابٌ أَعْمَلَ النَّاسَ، فَقَالَ: مُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ. الْحَدِيثُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا الْوَاقِدِيَّ. سَابِعُهَا مِينَاءُ ذَكَرَهُ ابْنُ بَشْكُوَالَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَمِلَ الْمِنْبَرَ غُلَامٌ لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ - أَوْ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ أَوِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ - يُقَالُ لَهُ مِينَاءُ انْتَهَى.
وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيُرُ فِيهِ عَلَى الْأَقْرَبِ فَيَكُونُ مِينَاءُ اسْمَ زَوْجِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا حَكَيْنَاهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالسُّطُوحِ عَنِ ابْنِ التِّينِ أَنَّ الْمِنْبَرَ عَمِلَهُ غُلَامُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَجَوَّزْنَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ زَوْجَ سَعْدٍ. وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي سُمِّيَ فِيهَا النَّجَّارُ شَيْءٌ قَوِيُّ السَّنَدِ إِلَّا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الَّذِي اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، بَلْ قَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute