سَعْدٍ أَنَّ تَمِيمًا لَمْ يَعْمَلْهُ. وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ مَيْمُونٌ لِكَوْنِ الْإِسْنَادِ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الْأُخْرَى فَلَا اعْتِدَادَ بِهَا لِوَهَائِهَا. وَيَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنهَا بِأَنَّ النَّجَّارَ كَانَتْ لَهُ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ. وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِ الْجَمِيعِ اشْتَرَكُوا فِي عَمَلِهِ فَيَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلَهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا نَجَّارٌ وَاحِدٌ إِلَّا إِنْ كَانَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاحِدِ الْمَاهِرُ فِي صِنَاعَتِهِ وَالْبَقِيَّةُ أَعْوَانُهُ فَيُمْكِنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُسْنِدُ ظَهْرُهُ إِلَى جِذْعٍ مَنْصُوبٍ فِي الْمَسْجِدِ يَخْطُبُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ رُومِيٌّ فَقَالَ: أَلَا أَصْنَعُ لَكَ مِنْبَرًا. الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُسَمِّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ بِالرُّومِيِّ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ السَّفَرِ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ. وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ سَبَبُ عَمَلِ الْمِنْبَرِ، وَجَزَمَ ابْنُ سَعْدٍ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِذِكْرِ الْعَبَّاسِ، وَتَمِيمٍ فِيهِ وَكَانَ قُدُومُ الْعَبَّاسِ بَعْدَ الْفَتْحِ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ، وَقُدُومُ تَمِيمٍ سَنَةُ تِسْعٍ. وَجَزَمَ ابْنُ النَّجَّارِ بِأَنَّ عَمَلَهُ كَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى كَادُوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا فَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّجَوُّزِ فِي ذِكْرِ الْمِنْبَرِ وَإِلَّا فَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا مَضَى.
وَحَكَى بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ طِينٍ قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ الَّذِي مِنْ خَشَبٍ، وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَى الْجِذْعِ إِذَا خَطَبَ، وَلَمْ يَزَلِ الْمِنْبَرُ عَلَى حَالِهِ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ حَتَّى زَادَهُ مَرْوَانُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سِتَّ دَرَجَاتٍ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى حُمَيْدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ - وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ - أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِ الْمِنْبَرَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُلِعَ، فَأَظْلَمَتِ الْمَدِينَةُ، فَخَرَجَ مَرْوَانُ فَخَطَبَ وَقَالَ: إِنَّمَا أَمَرَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أَرْفَعَهُ، فَدَعَا نَجَّارًا، وَكَانَ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ فَزَادَ فِيهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ، وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ: فَكَسَفَتِ الشَّمْسُ حَتَّى رَأَيْنَا النُّجُومَ وَقَالَ فَزَادَ فِيهِ سِتَّ دَرَجَاتٍ وَقَالَ: إِنَّمَا زِدْتُ فِيهِ حِينَ كَثُرَ النَّاسُ قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ وَغَيْرُهُ: اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَا أُصْلِحَ مِنْهُ إِلَى أَنِ احْتَرَقَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فَاحْتَرَقَ، ثُمَّ جَدَّدَ الْمُظَفَّرُ صَاحِبُ الْيَمَنِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ مِنْبَرًا، ثُمَّ أَرْسَلَ الظَّاهِرُ بِيبَرْسُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ (١) مِنْبَرًا فَأُزِيلَ مِنْبَرُ الْمُظَفَّرِ، فَلَمْ يَزَلْ إِلَى هَذَا الْعَصْرِ فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ الْمُؤَيَّدُ سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ مِنْبَرًا جَدِيدًا، وَكَانَ أَرْسَلَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مِنْبَرًا جَدِيدًا إِلَى مَكَّةَ أَيْضًا، شَكَرَ اللَّهُ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ آمِينَ.
قَوْلُهُ: (فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ مِنْ أَثْلَةِ الْغَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ، وَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَثْلَ هُوَ الطَّرْفَاءُ وَقِيلَ يُشْبِهُ الطَّرْفَاءَ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَالْغَابَةُ بِالْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ مَوْضِعٌ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ جِهَةَ الشَّامِ، وَهِيَ اسْمُ قَرْيَةٍ بِالْبَحْرَيْنِ أَيْضًا، وَأَصْلُهَا كُلُّ شَجَرٍ مُلْتَفٍّ.
قَوْلُهُ: (فَأَرْسَلَتْ) أَيِ الْمَرْأَةُ تُعْلِمُ بِأَنَّهُ فَرَغَ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ) أَنَّثَ لِإِرَادَةِ الْأَعْوَادِ وَالدَّرَجَاتِ، فَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ فَعَمِلَ لَهُ هَذَا الدَّرَجَاتِ الثَّلَاثَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَعْوَادِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْمِنْبَرِ.
قَوْلُهُ: (وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى) لَمْ يَذْكُرِ الْقِيَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْقِرَاءَةَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَلَفْظُهُ كَبَّرَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ
(١) في هامش طبعة بولاق"في نسخة أخرى: بعد عشرين سنة"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute