للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ.

(الْعَاشِرُ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ: أَقْوَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إِلَى عَهْدِ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا، وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ ثَبَتَ فِعْلُ التَّحِيَّةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا، فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عِيَاضِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ دَخَلَ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَرَادَ حَرَسُ مَرْوَانَ أَنْ يَمْنَعُوهُ فَأَبَى حَتَّى صَلَّاهُمَا ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُ لِأَدَعَهُمَا بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُ بِهِمَا انْتَهَى.

وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ صَرِيحًا مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَنْعِ مُطْلَقًا فَاعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَاتٍ عَنْهُمْ فِيهَا احْتِمَالٌ، كَقَوْلِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَدْرَكْتُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ - وَكَانَ الْإِمَامُ - إِذَا خَرَجَ تَرَكْنَا الصَّلَاةَ وَوَجْهُ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ثَعْلَبَةُ عَنَى بِذَلِكَ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً، قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: كُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ - يَعْنِي مِنَ الصَّحَابَةِ - مَنْعُ الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ التَّصْرِيحُ بِمَنْعِ التَّحِيَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا حَدِيثٌ يَخُصُّهَا فَلَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرَ صَحَابِيَّانِ صَغِيرَانِ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ: لَمَّا لَمْ يُنْكِرِ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى ابْنِ صَفْوَانَ وَلَا مَنْ حَضَرَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ تَرْكَ التَّحِيَّةِ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَرْكَهُمُ النَّكِيرَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مُخَالِفُوهُمْ. وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْبَحْثُ فِي أَنَّ صَلَاةَ التَّحِيَّةِ هَلْ تَعُمُّ كُلَّ مَسْجِدٍ، أَوْ يُسْتَثْنَى الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ؟ فَلَعَلَّ ابْنَ صَفْوَانَ كَانَ يَرَى أَنَّ تَحِيَّتَهُ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ فَقَطْ. وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ الَّتِي قَدْ قَدَّمْنَاهَا تَنْدَفِعُ مِنْ أَصْلِهَا بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. مُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَوَرَدَ أَخَصُّ مِنْهُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ، فَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ يَخْطُبُ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ - أَوْ قَدْ خَرَجَ - فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ وَلَفْظُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَارْكَعْهُمَا وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّأْوِيلُ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَيَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا فَيُخَالِفُهُ.

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ: هَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ نَصٌّ فِي الْبَابِ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ. وَحَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَأَوَّلَ هَذَا الْعُمُومَ بِتَأْوِيلٍ مُسْتَكْرَهٍ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنِ ادِّعَاءِ النَّسْخِ أَوِ التَّخْصِيصِ. وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الشَّافِعِيَّةَ بِأَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ، لِأَنَّ التَّحِيَّةَ عِنْدَهُمْ تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ. وَعَارَضَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ لَا تُصَلُّوا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَيُخَصُّ عُمُومُهُ بِالْأَمْرِ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ. وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْمُرْ عُثْمَانَ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوُضُوءِ، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّاهُمَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَسْقُطْ