للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ تَغَشَّى بِثَوْبِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَسَجَّى أَيْ الْتَفَّ بِثَوْبِهِ.

قَوْلُهُ: (وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ) فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَكَأَنَّهُ جَاءَ زَائِرًا لَهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ النَّبِيُّ بَيْتَهُ.

قَوْلُهُ: (فَانْتَهَرَنِي) فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فَانْتَهَرَهُمَا أَيِ الْجَارِيَتَيْنِ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ شَرَكَ بَيْنَهُنَّ فِي الِانْتِهَارِ وَالزَّجْرِ، أَمَّا عَائِشَةُ فَلِتَقْرِيرِهَا، وَأَمَّا الْجَارِيَتَانِ فَلِفِعْلِهِمَا.

قَوْلُهُ: (مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ يَعْنِي الْغِنَاءَ أَوْ الدُّفَّ، لِأَنَّ الْمِزْمَارَةَ أَوِ الْمِزْمَارَ مُشْتَقٌّ مِنَ الزَّمِيرِ وَهُوَ الصَّوْتُ الَّذِي لَهُ الصَّفِيرُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الصَّوْتِ الْحَسَنِ وَعَلَى الْغِنَاءِ، وَسُمِّيَتْ بِهِ الْآلَةُ الْمَعْرُوفَةُ الَّتِي يُزَمَّرُ بِهَا، وَإِضَافَتُهَا إِلَى الشَّيْطَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُلْهِي، فَقَدْ تَشْغَلُ الْقَلْبَ عَنِ الذِّكْرِ. وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَ: يَا عِبَادَ اللَّهِ أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَزْمُورُ الصَّوْتُ، وَنِسْبَتُهُ إِلَى الشَّيْطَانِ ذَمٌّ عَلَى مَا ظَهَرَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَضَبَطَهُ عِيَاضٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا.

قَوْلُهُ: (فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: فَكَشَفَ النَّبِيُّ عَنْ وَجْهِهِ. وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ: فَكَشَفَ رَأْسَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ مُلْتَفًّا.

قَوْلُهُ: (دَعْهُمَا). زَادَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا، فَفِيهِ تَعْلِيلُ الْأَمْرِ بِتَرْكِهِمَا، وَإِيضَاحُ خِلَافِ مَا ظَنَّهُ الصِّدِّيقُ مِنْ أَنَّهُمَا فَعَلَتَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لِكَوْنِهِ دَخَلَ فَوَجَدَهُ مُغَطًّى بِثَوْبِهِ، فَظَنَّهُ نَائِمًا فَتَوَجَّهَ لَهُ الْإِنْكَارُ عَلَى ابْنَتِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ مُسْتَصْحِبًا لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مِنْ مَنْعِ الْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ، فَبَادَرَ إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ قِيَامًا عَنِ النَّبِيِّ بِذَلِكَ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا ظَهَرَ لَهُ، فَأَوْضَحَ لَهُ النَّبِيُّ الْحَالَ، وَعَرَّفَهُ الْحُكْمَ مَقْرُونًا بِبَيَانِ الْحِكْمَةِ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، أَيْ يَوْمُ سُرُورٍ شَرْعِيٍّ، فَلَا يُنْكَرُ فِيهِ مِثْلُ هَذَا، كَمَا لَا يُنْكَرُ فِي الْأَعْرَاسِ، وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ عَمَّنْ قَالَ: كَيْفَ سَاغَ لِلصِّدِّيقِ إِنْكَارُ شَيْءٍ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ ؟ وَتَكَلَّفَ جَوَابًا لَا يَخْفَى تَعَسُّفُهُ.

وَفِي قَوْلِهِ: لِكُلِّ قَوْمٍ أَيْ مِنَ الطَّوَائِفِ، وَقَوْلُهُ: عِيدٌ أَيْ كَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ، وَفِي النَّسَائِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ كَرَاهَةُ الْفَرَحِ فِي أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَبَالَغَ الشَّيْخُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ النَّسَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ أَهْدَى فِيهِ بَيْضَةً إِلَى مُشْرِكٍ تَعْظِيمًا لِلْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى. اسْتُنْبِطَ مِنْ تَسْمِيَةِ أَيَّامِ مِنًى بِأَنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ مَشْرُوعِيَّةُ قَضَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ فِيهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدُ. وَاسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى إِبَاحَةِ الْغِنَاءِ وَسَمَاعِهِ بِآلَةٍ وَبِغَيْرِ آلَةٍ، وَيَكْفِي فِي رَدِّ ذَلِكَ تَصْرِيحُ عَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهَا: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ فَنَفَتْ عَنْهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى مَا أَثْبَتَهُ لَهُمَا بِاللَّفْظِ، لِأَنَّ الْغِنَاءَ يُطْلَقُ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ وَعَلَى التَّرَنُّمِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ النَّصْبَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْحِدَاءِ.

وَلَا يُسَمَّى فَاعِلُهُ مُغَنِّيًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ مَنْ يَنْشُدُ بِتَمْطِيطٍ وَتَكْسِيرٍ وَتَهْيِيجٍ وَتَشْوِيقٍ بِمَا فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْفَوَاحِشِ أَوْ تَصْرِيحٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُهَا: لَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، أَيْ لَيْسَتَا مِمَّنْ يَعْرِفُ الْغِنَاءَ كَمَا يَعْرِفُهُ الْمُغَنِّيَاتُ الْمَعْرُوفَاتُ بِذَلِكَ، وَهَذَا مِنْهَا تَحَرُّزٌ عَنِ الْغِنَاءِ الْمُعْتَادِ عِنْدَ الْمُشْتَهِرِينَ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ السَّاكِنَ وَيَبْعَثُ الْكَامِنَ، وَهَذَا النَّوْعُ إِذَا كَانَ فِي شِعْرٍ فِيهِ وَصْفُ مَحَاسِنِ النِّسَاءِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ، قَالَ: وَأَمَّا مَا ابْتَدَعَهُ الصُّوفِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَمِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ، لَكِنَّ النُّفُوسَ الشَّهْوَانِيَّةَ غَلَبَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الْخَيْرِ، حَتَّى لَقَدْ ظَهَرَتْ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ فِعْلَاتُ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ، حَتَّى رَقَصُوا بِحَرَكَاتٍ مُتَطَابِقَةٍ وَتَقْطِيعَاتٍ مُتَلَاحِقَةٍ، وَانْتَهَى التَّوَاقُحُ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ جَعَلُوهَا مِنْ بَابِ الْقُرَبِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُثْمِرُ سِنِيِّ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا - عَلَى التَّحْقِيقِ - مِنْ آثَارِ الزَّنْدَقَةِ، وَقَوْلُ أَهْلِ الْمُخَرِّفَةِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْكَسَ مُرَادُهُمْ وَيُقْرَأَ: