سَيِّئٌ عَوَّضَ النُّونَ الْخَفِيفَةَ الْمَكْسُورَةَ بِغَيْرِ هَمْزٍ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ مَهْمُوزا. وَأَمَّا الْآلَاتُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْمَعَازِفِ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ، وَقَدْ حَكَى قَوْمٌ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَكْسَهُ، وَسَنَذْكُرُ بَيَانَ شُبْهَةِ الْفَرِيقَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَةِ الضَّرْبِ بِالدُّفِّ فِي الْعُرْسِ وَنَحْوِهِ إِبَاحَةُ غَيْرِهِ مِنَ الْآلَاتِ كَالْعُودِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْتِفَافُهُ ﷺ بِثَوْبِهِ فَفِيهِ إِعْرَاضٌ عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِ مَقَامِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَرْتَفِعَ عَنِ الْإِصْغَاءِ إِلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ عَدَمَ إِنْكَارِهِ دَالٌّ عَلَى تَسْوِيغِ مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّهُ إِذْ لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ، وَالْأَصْلُ التَّنَزُّهُ عَنِ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَقْتًا وَكَيْفِيَّةً تَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ فِي أَيَّامِ الْأَعْيَادِ بِأَنْوَاعِ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ بَسْطُ النَّفْسِ وَتَرْوِيحُ الْبَدَنِ مِنْ كَلَفِ الْعِبَادَةِ، وَأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى. وَفِيهِ أَنَّ إِظْهَارَ السُّرُورِ فِي الْأَعْيَادِ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ. وَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى ابْنَتِهِ وَهِيَ عِنْدُ زَوْجِهَا إِذَا كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عَادَةٌ، وَتَأْدِيبُ الْأَبِ بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ وَإِنْ تَرَكَهُ الزَّوْجُ، إِذِ التَّأْدِيبُ وَظِيفَةُ الْآبَاءِ، وَالْعَطْفُ مَشْرُوعٌ مِنَ الْأَزْوَاجِ لِلنِّسَاءِ. وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالْمَرْأَةِ وَاسْتِجْلَابُ مَوَدَّتِهَا، وَأَنَّ مَوَاضِعَ أَهْلِ الْخَيْرِ تُنَزَّهُ عَنْ اللَّهْوِ وَاللَّغْوِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِثْمٌ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَفِيهِ أَنَّ التِّلْمِيذَ إِذَا رَأَى عِنْدَ شَيْخِهِ مَا يُسْتَكْرَهُ مِثْلُهُ بَادَرَ إِلَى إِنْكَارِهِ، وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ افْتِئَاتٌ عَلَى شَيْخِهِ، بَلْ هُوَ أَدَبٌ مِنْهُ وَرِعَايَةٌ لِحُرْمَتِهِ وَإِجْلَالٌ لِمَنْصِبِهِ، وَفِيهِ فَتْوَى التِّلْمِيذِ بِحَضْرَةِ شَيْخِهِ بِمَا يَعْرِفُ مِنْ طَرِيقَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَامَ فَخَشِيَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ فَيَغْضَبَ عَلَى ابْنَتِهِ، فَبَادَرَ إِلَى سَدِّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ. وَفِي قَوْلِ عَائِشَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ: فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَعَ تَرْخِيصِ النَّبِيِّ ﷺ لَهَا فِي ذَلِكَ رَاعَتْ خَاطِرَ أَبِيهَا، وَخَشِيَتْ غَضَبَهُ عَلَيْهَا فَأَخْرَجَتْهُمَا، وَاقْتِنَاعَهَا فِي ذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِلْحَيَاءِ مِنَ الْكَلَامِ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ سَمَاعِ صَوْتِ الْجَارِيَةِ بِالْغِنَاءِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً؛ لِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ سَمَاعَهُ بَلْ أَنْكَرَ إِنْكَارَهُ، وَاسْتَمَرَّتَا إِلَى أَنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِمَا عَائِشَةُ بِالْخُرُوجِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ مَا إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ) هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ وَقَدْ جَمَعَهُمَا بَعْضُ الرُّوَاةِ وَأَفْرَدَهُمَا بَعْضُهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْجَوْزَقِيِّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ هُنَا وَقَالَتْ - أَيْ عَائِشَةُ - كَانَ يَوْمَ عِيدٍ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ مَوْصُولٌ كَالْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (يَلْعَبُ فِيهِ السُّودَانُ) فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الْمَذْكُورَةِ: وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ مُعَلَّقَةٍ وَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ: بِحِرَابِهِمْ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ: جَاءَ حَبَشٌ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: هَذَا السِّيَاقُ يُشْعِرُ بِأَنَّ عَادَتَهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ عِيدٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ الْحَبَشَةِ قَامُوا يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّرْخِيصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَالِ الْقُدُومِ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قُدُومُهُمْ صَادَفَ يَوْمَ عِيدٍ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمُ اللَّعِبُ فِي الْأَعْيَادِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ كَعَادَتِهِمْ ثُمَّ صَارُوا يَلْعَبُونَ يَوْمَ كُلِّ عِيدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ لَعِبَتِ الْحَبَشَةُ فَرَحًا بِذَلِكَ لَعِبُوا بِحِرَابِهِمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ يَوْمَ قُدُومِهِ ﷺ كَانَ عِنْدَهُمْ أَعْظَمَ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: سَمَّاهُ لَعِبًا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ التَّدْرِيبَ عَلَى الْحَرْبِ، وَهُوَ مِنَ الْجِدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ شَبَهِ اللَّعِبِ، لِكَوْنِهِ يَقْصِدُ إِلَى الطَّعْنِ وَلَا يَفْعَلُهُ وَيُوهِمُ بِذَلِكَ قَرْنَهُ وَلَوْ كَانَ أَبَاهُ أَوِ ابْنَهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَإِمَّا قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ) هَذَا تَرَدُّدٌ مِنْهَا فِيمَا كَانَ وَقَعَ لَهُ، هَلْ كَانَ أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْهُ أَوْ عَنْ سُؤَالٍ مِنْهَا، وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute