للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ بَزِيزَةَ جَوَابُهُ بِقَوْلِهِ: مَثْنَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فُهِمَ مِنَ السَّائِلِ طَلَبُ كَيْفِيَّةِ الْعَدَدِ لَا مُطْلَقُ الْكَيْفِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنَ الْحَدِيثِ، وَاسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا وَهُوَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ بِهِ فَلَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي أَرْبَعٍ، وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقُيِّدَ الْجَوَابُ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ، وَبِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ منْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ حُكْمُ الْمَنْطُوقِ بِهِ، فَفِي السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقٍ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى، وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْأَخِيرُ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَعَلُّوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَالنَّهَارِ.

بِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرُوهَا عَنْهُ، وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ؟ وَادَّعَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ، وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمَا خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ، يَعْنِي مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي سُؤَالَاتِهِ، لَكِنْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ، فَلَعَلَّ الْأَزْدِيَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفُ بِالْمَرْفُوعِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةً عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ منْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ مَعِينٍ (١).

قَوْلُهُ: (مَثْنَى مَثْنَى) أَيِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِتَكْرَارِ الْعَدْلِ فِيهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ، وَأَمَّا إِعَادَةُ مَثْنَى فَلِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّأْكِيدِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: مَا مَعْنَى مَثْنَى مَثْنَى؟ قَالَ: تُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.

وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى مَثْنَى أَنْ يَتَشَهَّدَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ بِهِ، وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ هُوَ الْمُتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا: إِنَّهَا مَثْنَى، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى تَعَيُّنِ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ لِحَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْضًا كَوْنُهُ لِذَلِكَ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْأَخَفِّ، إِذِ السَّلَامُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَخَفُّ عَلَى الْمُصَلِّي مِنَ الْأَرْبَعِ فَمَا فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّاحَةِ غَالِبًا وَقَضَاءُ مَا يُعْرَضُ مِنْ أَمْرٍ مُهِمٍّ، وَلَوْ كَانَ الْوَصْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَقَطْ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَمَنِ ادَّعَى اخْتِصَاصَهُ بِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ الْفَصْلُ كَمَا صَحَّ عَنْهُ الْوَصْلُ، فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقَيِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.

وَإِسْنَادُهُمَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ النُّقْصَانِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي النَّافِلَةِ مَا عَدَا الْوِتْرَ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ أَقْوَى مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِامْتِنَاعِ قَصْرِ الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ إِلَى رَكْعَةٍ، يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى مَنْعِ التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ بِذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لِلْجَوَازِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ : الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ وَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ، صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ: الَّذِي اخْتَارَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ نَحْوَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ: وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ


(١) كذا في الاصلين وصوابه " لما نقله يحي بن سعيد " كما تقدم قريبا. والله أعلم