للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَكَذَا لَيْسَ فِي قَوْلِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا فِي الْحَالَيْنِ طَلَبُوا السُّقْيَا مِنَ اللَّهِ مُسْتَشْفِعِينَ بِهِ .

وَقَالَ ابْنُ رشيد: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالتَّرْجَمَةِ الِاسْتِدْلَالَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يَسْأَلُونَ اللَّهَ بِهِ فَيَسْقِيهِمْ فَأَحْرَى أَنْ يُقَدِّمُوهُ لِلسُّؤَالِ. انْتَهَى.

وَهُوَ حَسَنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ سِيَاقَ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ، وَأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الطَّرِيقَ الْأُولَى مُخْتَصَرَةٌ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الثَّانِيَةِ: رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ يَسْتَسْقِي، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الطَّلَبَ ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَشَارَ إِلَى قِصَّةٍ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ حَضَرَهَا هُوَ لَا مُجَرَّدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَسْقَى إِجَابَةً لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَاضِي، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْنَاكَ وَمَا لَنَا بَعِيرٌ يَئِطُّ، وَلَا صَبِيٌّ يَغِطُّ. ثُمَّ أَنْشَدَهُ شِعْرًا يَقُولُ فِيهِ:

وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا إِلَيْكَ فِرَارُنَا … وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلَّا إِلَى الرُّسُلِ،

فَقَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا. الْحَدِيثَ وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ : لَوْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيًّا لَقَرَّتْ عَيْنَاهُ. مَنْ يَنْشُدُنَا قَوْلَهُ؟ فَقَامَ عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّكَ أَرَدْتَ قَوْلَهُ:

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ

الْأَبْيَاتَ، فَظَهَرَتْ بِذَلِكَ مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِلتَّرْجَمَةِ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ لَكِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي زَوَائِدِهِ فِي السِّيرَةِ تَعْلِيقًا عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: يَئِطُّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَكَذَا يَغِطُّ بِالْمُعْجَمَةِ، وَالْأَطِيطُ صَوْتُ الْبَعِيرِ الْمُثْقَلِ، وَالْغَطِيطُ صَوْتُ النَّائِمِ كَذَلِكَ، وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ شِدَّةِ الْجُوعِ؛ لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا يَقَعَانِ غَالِبًا عِنْدَ الشِّبَعِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ فَأَشَارَ بِهِ أَيْضًا إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنِ الْأَنْصَارِيِّ بِإِسْنَادِ الْبُخَارِيِّ إِلَى أَنَسٍ قَالَ: كَانُوا إِذَا قَحَطُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ اسْتَسْقَوْا بِهِ، فَيَسْتَسْقِي لَهُمْ فَيُسْقَوْنَ، فَلَمَّا كَانَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ: هَذَا الَّذِي رَوَيْتُهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الَّذِي تَرْجَمَهُ، بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَهُ هُوَ: قُلْتُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُبْتَدَعٍ، لِمَا عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ عَادَتِهِ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِشَارَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى بِالْمُصَلَّى، فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: قُمْ فَاسْتَسْقِ، فَقَامَ الْعَبَّاسُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ فِي الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ مَسْئُولًا وَأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ إِذَا أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ مَالِكٍ الدَّارِيِّ - وَكَانَ خَازِنُ عُمَرَ - قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ (١) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، فَأَتَى الرَّجُلَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ


(١) هذا الأثر - على فرض صحته كما قال الشارح - ليس بحجة على جواز الاستسقاء بالنبي بعد وفاته، لأن السائل مجهول، ولأن عمل الصحابه على خلافه، وهم أعلم الناس بالشرع، ولم يأت أحد منهم إلى قبره يسأله السقيا ولا غيرها، بل عدل عمر عنه لما وقع الجدب إلى الإستسقاء بالعباس، ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة، فعلم أن ذلك هو الحق، وأن ما فعله هذا الرجل منكر ووسيلة الى الشرك، بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك، وأما تسمية السائل في رواية سيف المذكورة " بلال بن حارثة " ففي صحة ذلك نظر، ولم يذكر الشارح سند سيف في ذلك، وعلى تقدير صحته عنه لا حجة فيه، لأن عمل كبار الصحبة يخالفه، وهم اعلم بالرسول والله أعلم