للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَهُ: ائْتِ عُمَرَ الْحَدِيثَ. وَقَدْ رَوَى سَيْفٌ فِي الْفُتُوحِ أَنَّ الَّذِي رَأَى الْمَنَامَ الْمَذْكُورَ هُوَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ أَحَدُ الصَّحَابَةِ، وَظَهَرَ بِهَذَا كُلِّهِ مُنَاسَبَةُ التَّرْجَمَةِ لِأَصْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَيْضًا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

قَوْلُهُ: (يَتَمَثَّلُ) أَيْ يَنْشُدُ شِعْرَ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَبْيَضَ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَهُوَ مَجْرُورٌ بِرُبَّ مُقَدَّرَةٍ أَوْ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَعْنِي أَوْ أَخُصُّ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: سَيِّدًا فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (ثِمَالُ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفُ الْمِيمِ هُوَ الْعِمَادُ وَالْمَلْجَأُ وَالْمُطْعِمُ وَالْمُغِيثُ وَالْمُعِينُ وَالْكَافِي، قَدْ أُطْلِقَ عَلَى كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ أَيْ يَمْنَعُهُمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ، وَالْأَرَامِلُ جَمْعُ أَرْمَلَةٍ وَهِيَ الْفَقِيرَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّجُلِ أَيْضًا مَجَازًا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَوْصَى لِلْأَرَامِلِ خُصَّ النِّسَاءُ دُونَ الرِّجَالِ. وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ أَبْيَاتٍ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ بِطُولِهَا، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِينَ بَيْتًا، قَالَهَا لَمَّا تَمَالَأَتْ قُرَيْشٌ عَلَى النَّبِيِّ وَنَفَّرُوا عَنْهُ مَنْ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، أَوَّلُهَا:

وَلَمَّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا وُدَّ فِيهِمُ … وَقَدْ قَطَعُوا كُلَّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ

وَقَدْ جَاهَرُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى … وَقَدْ طَاو عُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ

يقول فِيهَا:

أَعَبْدَ مَنَافٍ أَنْتُمُ خَيْرُ قَوْمِكُمُ … فَلَا تُشْرِكُوا فِي أَمْرِكُمْ كُلَّ وَاغِلِ

فَقَدْ خِفْتُ إِنْ لَمْ يُصْلِحِ اللَّهُ أَمْرَكُمْ … تَكُونُوا كَمَا كَانَتْ أَحَادِيثُ وَائِلِ

يَقُولُ فِيهَا:

أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ … عَلَيْنَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٍّ بِبَاطِلِ

وَثَوْرٌ وَمَنْ أَرْسَى ثُبَيْرًا مَكَانَهُ … وَرَاقٍ لِبِرٍّ فِي حِرَاءٍ وَنَازِلِ

وَبِالْبَيْتِ حَقُّ الْبَيْتِ مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ … وَبِاللَّهِ أنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ

يَقُولُ فِيهَا:

كَذَبْتُمْ وَبَيْتُ اللَّهِ نَبْزِي مُحَمَّدًا … وَلَمَّا نُطَاعِنْ حَوْلَهُ وَنُنَاضِلِ

وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ … وَنُذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ

يَقُولُ فِيهَا:

وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ لَا أَبَا لَكَ سَيِّدًا … يَحُوطُ الذِّمَارَ بَيْنَ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ … ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ

يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ … فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ وَلَمْ يَرَهُ قَطُّ اسْتَسْقَى، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ! وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ أَبَا طَالِبٍ أَشَارَ إِلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَيْثُ اسْتَسْقَى لِقُرَيْشٍ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ غُلَامٌ. انْتَهَى.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو طَالِبٍ مَدَحَهُ بِذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ مَخَايِلِ ذَلِكَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ وُقُوعَهُ، وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ سُؤَالَ أَبِي سُفْيَانَ لِلنَّبِيِّ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَقَعَ بِمَكَّةَ. وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ أَنَّ فِي شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ هَذَا دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ نُبُوَّةَ النَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ بَحِيرًا أَوْ غَيْرُهُ مِنْ شَأْنِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ إِنْشَاءَ أَبِي طَالِبٍ لِهَذَا الشِّعْرِ كَانَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ، وَمَعْرِفَةُ أَبِي طَالِبٍ بِنُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ جَاءَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَتَمَسَّكَ بِهَا الشِّيعَةُ فِي أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا. وَرَأَيْتُ لِعَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ الْبَصْرِيِّ جُزْءًا جَمَعَ فِيهِ شِعْرَ أَبِي طَالِبٍ وَزَعَمَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْحَشَوِيَّةَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَأَنَّهُمْ لِذَلِكَ يَسْتَجِيزُونَ لَعْنَهُ، ثُمَّ بَالَغَ فِي سَبِّهِمْ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَدَلَّ لِدَعْوَاهُ بِمَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ.