للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رِدَاءَهُ، فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ إِرَادَةِ الدُّعَاءِ.

وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ هَذَا التَّحْوِيلِ: فَجَزَمَ الْمُهَلَّبُ بِأَنَّهُ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفَأْلِ أَنْ لَا يُقْصَدَ إِلَيْهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا التَّحْوِيلُ أَمَارَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، قِيلَ لَهُ: حَوِّلْ رِدَاءَكَ لِيَتَحَوَّلَ حَالُكَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ، وَالَّذِي رَدَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِالظَّنِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَكُونَ أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي كُلِّ حَالٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّحْوِيلَ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ لَا يَقْتَضِي الثُّبُوتَ عَلَى الْعَاتِقِ، فَالْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوْلَى، فَإِنَّ الِاتِّبَاعَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ قَالَ: قَالَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُيَيْنَةَ حَذَفَ الصِّيغَةَ مَرَّةً، وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِحَذْفِ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْخَطِّ، وَفِي حَذْفِهَا مِنَ اللَّفْظِ بَحْثٌ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْحَمَوِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي بِلَفْظِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَصَرَّحَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي رِوَايَتِهِ بِتَحْدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بِهِ لِابْنِ عُيَيْنَةَ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ أَبَاهُ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أَبَاهُ يَعُودُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لَا عَلَى عَبَّادٍ، وَضَبَطَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَرَاءٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ أَظُنُّهُ. وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّ رِوَايَةَ عَبَّادٍ لَهُ عَنْ عَمِّهِ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنِ ابْنِ مَاجَهْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَوْلُهُ: عَنْ أَبِيهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنِ ابْنِ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَاحِ، وَكَذَا لِابْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَيِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ - أَيِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ -: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى، وَالْمَسْعُودِيُّ عَنْ أَبِيكَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: سَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ عَبَّادٍ يُحَدِّثُ أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى) فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الْمَذْكُورَةِ: فَخَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَلَى سَبَبِ ذَلِكَ وَلَا صِفَتِهِ حَالَ الذَّهَابِ إِلَى الْمُصَلَّى وَعَلَى وَقْتِ ذَهَابِهِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ حِبَّانَ، قَالَتْ: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَحْطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ بِالْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، فَخَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ خَرَجَ النَّبِيُّ مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى فَرَقَى الْمِنْبَرَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَالطَّبَرَانِيِّ: قَحَطَ الْمَطَرُ، فَسَأَلْنَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَنَا، فَغَدَا نَبِيُّ اللَّهِ الْحَدِيثَ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاخْتِلَافَ فِي وَقْتِهَا، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا مُعَيَّنٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَحْكَامِهَا كَالْعِيدِ، لَكِنَّهَا تُخَالِفُهُ بِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ مُعَيَّنٍ، وَهَلْ تُصْنَعُ بِاللَّيْلِ؟ اسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَوْنِهِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنَّهَارِ أَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ كَالْعِيدِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ تُصَلَّى بِاللَّيْلِ لَأَسَرَّ فِيهَا بِالنَّهَارِ وَجَهَرَ بِاللَّيْلِ كَمُطْلَقِ النَّوَافِلِ.

وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ، وَأَفَادَ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ خُرُوجَهُ إِلَى الْمُصَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ.

قَوْلُهُ: (فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ قَرِيبًا.

قَوْلُهُ: (وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: وَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الْآتِيَةِ فِي بَابِ كَيْفَ حَوَّلَ ظَهْرَهُ: ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ