سُفْيَانَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَفِي رِوَايَاتِهِمْ زِيَادَةٌ رَوَاهَا الْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ فَالْأَخْذُ بِهَا أَوْلَى مِنْ إِلْغَائِهَا، وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْفُتْيَا، وَقَدْ وَرَدَتِ الزِّيَادَةُ فِي ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، فَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ، وَآخَرَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ، وَعِنْدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ، وَلَا يَخْلُو إِسْنَادٌ مِنْهَا عَنْ عِلَّةٍ، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْهُدَى عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَالْبُخَارِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ الزِّيَادَةَ عَلَى الرُّكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ غَلَطًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ طُرُقِ الْحَدِيثِ يُمْكِنُ رَدُّ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، وَيَجْمَعُهَا أَنَّ ذَلِكَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ﵇ وَإِذَا اتَّحَدَتْ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ، وَأَنَّ الْكُسُوفَ وَقَعَ مِرَارًا، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ جَائِزًا، وَإِلَى ذَلِكَ نَحَا إِسْحَاقُ لَكِنْ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ مَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ، وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَأَبْدَى بَعْضُهُمْ أَنَّ حِكْمَةَ الزِّيَادَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالنَّقْصِ كَانَ بِحَسَبِ سُرْعَةِ الِانْجِلَاءِ وَبُطْئِهِ، فَحِينَ وَقَعَ الِانْجِلَاءُ فِي أَوَّلِ رُكُوعٍ اقْتَصَرَ عَلَى مِثْلِ النَّافِلَةِ، وَحِينَ أَبْطَأَ زَادَ رُكُوعًا، وَحِينَ زَادَ فِي الْإِبْطَاءِ زَادَ ثَالِثًا، وَهَكَذَا إِلَى غَايَةِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ. وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ إِبْطَاءَ الِانْجِلَاءِ وَعَدَمَهُ لَا يُعْلَمُ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَلَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَدِ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ مَنْوِيٌّ مِنْ أَوَّلِ الْحَالِ. وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ تَبَعٌ لَهَا فَمَهْمَا اتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي الْأُولَى بِسَبَبِ بُطْءِ الِانْجِلَاءِ يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِيُسَاوِيَ بَيْنَهُمَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَصْبَغُ كَمَا تَقَدَّمَ: إِذَا وَقَعَ الِانْجِلَاءُ فِي أَثْنَائِهَا يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْعَادَةِ. وَعَلَى هَذَا فَيَدْخُلُ الْمُصَلِّي فِيهَا عَلَى نِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ، وَيَزِيدُ فِي الرُّكُوعِ بِحَسَبِ الْكُسُوفِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ زِيَادَةِ الرُّكُوعِ بِحَمْلِهِ عَلَى رَفْعِ الرَّأْسِ لِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ هَلِ انْجَلَتْ أَمْ لَا؟ فَإِذَا لَمْ يَرَهَا انْجَلَتْ رَجَعَ إِلَى رُكُوعِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا فَظَنَّ بَعْضَ مَنْ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ رُكُوعًا زَائِدًا.
وَتُعُقِّبَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي أَنَّهُ أَطَالَ الْقِيَامَ بَيْنَ الرُّكُوعَيْنِ وَلَوْ كَانَ الرَّفْعُ لِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ فَقَطْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَطْوِيلٍ، وَلَا سِيَّمَا الْأَخْبَارُ الصَّرِيحَةُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الِاعْتِدَالَ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَكُلُّ ذَلِكَ يَرُدُّ هَذَا الْحَمْلَ، وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ لَكَانَ فِيهِ إِخْرَاجٌ لِفِعْلِ الرَّسُولِ عَنِ الْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعَةِ أَوْ لَزِمَ مِنْهُ إِثْبَاتُ هَيْئَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَا عَهْدَ بِهَا وَهُوَ مَا فَرَّ مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ وَسَائِرُ مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْكُسُوفِ، وَالزَّجْرُ عَنْ كَثْرَةِ الضَّحِكِ، وَالْحَثُّ عَلَى كَثْرَةِ الْبُكَاءِ، وَالتَّحَقُّقُ بِمَا سَيَصِيرُ إِلَيْهِ الْمَرْءُ مِنَ الْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ وَالِاعْتِبَارِ بِآيَاتِ اللَّهِ. وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ لِلْكَوَاكِبِ تَأْثِيرًا فِي الْأَرْضِ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ عَنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَكَيْفَ بِمَا دُونَهُمَا. وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْإِمَامِ فِي الْمَوْقِفِ، وَتَعْدِيلُ الصُّفُوفِ، وَالتَّكْبِيرُ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، وَبَيَانُ مَا يُخْشَى اعْتِقَادُهُ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ، وَاهْتِمَامُ الصَّحَابَةِ بِنَقْلِ أَفْعَالِ النَّبِيِّ ﷺ لِيُقْتَدَى بِهِ فِيهَا. وَمِنْ حِكْمَةِ وُقُوعِ الْكُسُوفِ تَبْيِينُ أُنْمُوذَجِ مَا سَيَقَعُ فِي الْقِيَامَةِ، وَصُورَةُ عِقَابِ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِ الْخَوْفِ مَعَ الرَّجَاءِ لِوُقُوعِ الْكُسُوفِ بِالْكَوْكَبِ ثُمَّ كَشْفُ ذَلِكَ عَنْهُ لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ عَلَى خَوْفٍ وَرَجَاءٍ.
وَفِي الْكُسُوفِ إِشَارَةٌ إِلَى تَقْبِيحِ رَأْيِ مَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ أَوِ الْقَمَرَ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾ عَلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ، لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يُنَاسِبُ الْإِعْرَاضَ عَنْ عِبَادَتِهِمَا لِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute