للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَكَرِيمَةَ. وَمَا نَسَبَهُ إِلَى فَهْمِ الْبُخَارِيِّ أَوَّلًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ؛ يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ حَتَّى يُصَلِّينَ، فَظَهَرَتْ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ، وَأَنَّ فِيهِ التَّحْرِيضَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَعَدَمُ الْإِيجَابِ يُؤْخَذُ مِنْ تَرْكِ إِلْزَامِهِنَّ بِذَلِكَ. وَجَرَى الْبُخَارِيُّ عَلَى عَادَتِهِ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ، وَسَتَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْفِتَنِ. وَعَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فِعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ، وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ، وَمِنْ أَشْرَفِ التَّرَاجِمِ الْوَارِدَةِ فِيمَنْ رَوَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

وَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ كَاتِبَ اللَّيْثِ رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي مَنِيعٍ عَنْ جَدِّهِ الزُّهْرِيِّ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ: عَنِ الْحُسَيْنِ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ، وَالطَّبَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (أَلَا تُصَلِّيَانِ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ فَضِيلَةُ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِيقَاظُ النَّائِمِينَ مِنَ الْأَهْلِ وَالْقَرَابَةِ لِذَلِكَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ الْمَذْكُورَةِ: (وَدَخَلَ النَّبِيُّ عَلَيّ وعَلى فَاطِمَةَ مِنَ اللَّيْلِ فَأَيْقَظَنَا لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَصَلَّى هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمْ يَسْمَعْ لَنَا حِسًّا، فَرَجَعَ إِلَيْنَا فَأَيْقَظَنَا) الْحَدِيثَ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَوْلَا مَا عَلِمَ النَّبِيُّ مِنْ عِظَمِ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ مَا كَانَ يُزْعِجُ ابْنَتَهُ وَابْنَ عَمِّهِ فِي وَقْتٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِخَلْقِهِ سَكَنًا، لَكِنَّهُ اخْتَارَ لَهُمَا إِحْرَازَ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ عَلَى الدَّعَةِ وَالسُّكُونِ، امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ﴾ الْآيَةَ.

قَوْلُهُ: (أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ) اقْتَبَسَ عَلِيٌّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ الْآيَةَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَكِيمٍ الْمَذْكُورَةِ: قَالَ عَلِيٌّ: فَجَلَسْتُ وَأَنَا أَعْرُكُ عَيْنِي، وَأَنَا أَقُولُ: وَاللَّهِ مَا نُصَلِّي إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْمَشِيئَةِ لِلَّهِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (بَعَثَنَا) بِالْمُثَلَّثَةِ؛ أَيْ: أَيْقَظَنَا، وَأَصْلُهُ إِثَارَةُ الشَّيْءِ مِنْ مَوْضِعِهِ.

قَوْلُهُ: (حِينَ قُلْتُ) فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ: حِينَ قُلْنَا.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَرْجِعْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ؛ أَيْ: لَمْ يُجِبْنِي، وَفِيهِ أَنَّ السُّكُوتَ يَكُونُ جَوَابًا، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُطَابِقُ الْمُرَادَ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي نَفْسِهِ.

قَوْلُهُ: (يَضْرِبُ فَخِذَهُ) فِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْفَخِذِ عِنْدَ التَّأَسُّفِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: كَرِهَ احْتِجَاجَهُ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَنْسُبَ التَّقْصِيرَ إِلَى نَفْسِهِ. وَفِيهِ جَوَازُ الِانْتِزَاعِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَتَرْجِيحُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ) لِلْعُمُومِ لَا لِخُصُوصِ الْكُفَّارِ. وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِعَلِيٍّ حَيْثُ لَمْ يَكْتُمْ مَا فِيهِ عَلَيْهِ أَدْنَى غَضَاضَةً، فَقَدَّمَ مَصْلَحَةَ نَشْرِ الْعِلْمِ وَتَبْلِيغِهِ عَلَى كَتْمِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ قَالَ: فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُشَدِّدَ فِي النَّوَافِلِ حَيْثُ قَنَعَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ : أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي الْعُذْرِ عَنِ التَّنَفُّلِ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا مَا عَذَرَهُ. قَالَ: وَأَمَّا ضَرْبُهُ فَخِذَهُ وَقِرَاءَتُهُ الْآيَةَ فَدَالٌّ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْرَجَهُمْ، فَنَدِمَ عَلَى إِنْبَاهِهِمْ، كَذَا قَالَ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ ضَرَبَ فَخِذَهُ تَعَجُّبًا مِنْ سُرْعَةِ جَوَابِهِ، وَعَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ عَلَى الِاعْتِذَارِ بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْأَوَّلُ فَيَشْتَمِلُ عَلَى حَدِيثَيْنِ: أَحَدِهِمَا: تَرْكِ الْعَمَلِ خَشْيَةَ افْتِرَاضِهِ. ثَانِيهِمَا: ذِكْرِ صَلَاةِ الضُّحَى. وَهَذَا الثَّانِي سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الضُّحَى.

وَقَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ (إِن) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَفِيهَا ضَمِيرُ