للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشَّأْنِ.

وقَوْلُهُ: (لَيَدَعُ) بِفَتْحِ اللَّامِ؛ أَيْ: يَتْرُكُ، وَقَوْلُهُ: (خَشْيَةَ) النَّصْبُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَيَدَعُ، وَقَوْلُهُ: (فَيُفْرَضَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى يَعْمَلَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَزَادَ فِيهِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: قَالَتْ: وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الثَّانِي فَهُوَ بِإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ.

وَقَوْلُهُ: (صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ) تَقَدَّمَ قُبَيْلَ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ صَلَّى فِي حُجْرَتِهِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا بَيْتَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْحَصِيرُ الَّتِي كَانَ يَحْتَجِرُهَا بِاللَّيْلِ فِي الْمَسْجِدِ، فَيَجْعَلُهَا عَلَى بَابِ بَيْتِ عَائِشَةَ، فَيُصَلِّي فِيهِ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ، وَلَفْظُهُ: كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَبْسُطهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ. وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْصِبَ لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، فَفَعَلْتُ، فَخَرَجَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى يَحْتَجِرُ: يُحَوِّطُ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ بِحَصِيرٍ يَسْتُرهُ؛ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، وَلَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ لِيَتَوَفَّرَ خُشُوعُهُ وَيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ. وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ احْتِجَارَهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ الَّذِي أُمِرَ النَّاسُ بِهِ، حَيْثُ قَالَ: فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَهُوَ إِذَا احْتَجَرَ صَارَ كَأَنَّهُ بَيَّتَ بِخُصُوصِيَّتِهِ، أَوْ أَنَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلَ عَدَمِ شَوْبِهِ بِالرِّيَاءِ غَالِبًا، وَالنَّبِيُّ مُنَزَّهٌ عَنِ الرِّيَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي غَيْرِ بَيْتِهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ) أَيْ: مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَهُوَ لَفْظُ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلِ؛ أَيِ: الْوَقْتِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ) كَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ بِالشَّكِّ، وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ: فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ، وَنَحْوَهُ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَلَمَّا أَصْبَحَ تَحَدَّثُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، زَادَ يُونُسُ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ. وَلِابْنِ جُرَيْجٍ: حَتَّى كَانَ الْمَسْجِدُ يَعْجِزُ عَنْ أَهْلِهِ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، حَتَّى اغْتَصَّ بِأَهْلِهِ، وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْهُ: فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَخْرُجْ) زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ: حَتَّى سَمِعْتُ نَاسًا مِنْهُمْ يَقُولُونَ: الصَّلَاةَ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ، وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ: فَفَقَدُوا صَوْتَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، وَفِي حَدِيثِهِ فِي الْأَدَبِ: فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا الْبَابَ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ)، فِي رِوَايَةِ عَقَيْلٍ: فَلَمَّا قَضَى صَلَاةَ الْفَجْرِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ: لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمْ. وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ: اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ. وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ بَيَانَ عَدَدِ صَلَاتِهِ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي، لَكِنْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي رَمَضَانَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَوْتَرَ، فَلَمَّا كَانَتِ الْقَابِلَةُ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ، وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا، ثُمَّ دَخَلْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ. الْحَدِيثَ. فَإِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ مِمَّنْ جَاءَ فِي