للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقَلْبِهِ، ﴿لِيُوَاطِئُوا﴾ لِيُوَافِقُوا

١١٤١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُفْطِرُ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنْ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ.

تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ.

[الحديث ١١٤٢ - أطرافه في: ٣٥٦٣، ١٩٧٣، ١٩٧٢]

قَوْلُهُ: (بَابُ قِيَامِ النَّبِيِّ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ نَوْمِهِ، وَمَا نُسِخَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ﴾؛ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ - يَعْنِي: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ - فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرْضِيَّتِهِ، وَاسْتَغْنَى الْبُخَارِيُّ عَنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ - لِكَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ شَرْطِهِ - بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَنَسٍ، فَإِنَّ فِيهِ: وَلَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا نَامَ كُلَّ اللَّيْلِ، وَهَذَا سَبِيلُ التَّطَوُّعِ، فَلَوِ اسْتَمَرَّ الْوُجُوبُ لَمَا أَخَلَّ بِالْقِيَامِ. وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ.

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شَاهِدًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي أَنَّ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّسْخِ سَنَةً، وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْهُمْ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ النَّسْخَ وَقَعَ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى فَرْضِ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَكَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَكَى الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ آخِرَ السُّورَةِ نَسَخَ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ، إِلَّا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ ثُمَّ نُسِخَ فَرْضُ ذَلِكَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. وَاسْتَشْكَلَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالتَّعَقُّبُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَسَخَتِ الْوُجُوبَ مَدَنِيَّةٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا مَكِّيَّةٌ. نَعَمْ، ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ، وَقَوَّى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ هَذَا الْقَوْلَ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، أَنَّ نَسْخَ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقَعَ لَمَّا تَوَجَّهُوا مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي جَيْشِ الْخَبَطِ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.

لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلَاءَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ حَصِيرًا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ، وَفِيهِ: اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ خَيْرَ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ. وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَأُنْزِلَتْ مَنْزِلَةَ الْفَرِيضَةِ، حَتَّى إِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ لَيَرْبِطُ الْحَبْلَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ تَكَلُّفَهُمُ ابْتِغَاءَ رِضَاهُ وَضَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَرَدَّهُمْ إِلَى الْفَرِيضَةِ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ قِيَامَ اللَّيْلِ إِلَّا مَا تَطَوَّعُوا بِهِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا مَدَنِيَّةٌ، لَكِنْ فِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، وَهُوَ شَدِيدُ الضَّعْفِ، فَلَا حُجَّةَ فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَلَوْ صَحَّ مَا رَوَاهُ لَاقْتَضَى ذَلِكَ وُقُوعَ مَا خَشِيَ مِنْهُ حَيْثُ تَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ بِهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ أَيِ: الْمُتَلَفِّفُ فِي ثِيَابِهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾؛ أَيْ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ زَمَّلْتَ الْقُرْآنَ. فَكَأَنَّ الْأَصْلَ: يَا أَيُّهَا الْمُتَزَمِّلُ.

قَوْلُهُ: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا﴾ أَيْ مِنْهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي