قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ الآية فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ.
[الحديث ١٢٠٠ - طرفه في: ٤٥٣٤]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُنْهَى مِنَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ) فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ: مَا يُنْهَى عَنْهُ، وَفِي التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْكَلَامِ لَا يُنْهَى عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَلَمْ يُدْرِكِ الْبُخَارِيُّ، عَبْدَ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ: كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ: خَرَجْتُ فِي حَاجَةٍ وَنَحْنُ يُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الصَّلَاةِ. وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ بَابٍ نَحْوُهُ فِي حَدِيثِ التَّشَهُّدِ.
قَوْلُهُ: (النَّجَاشِيِّ) بِفَتْحِ النُّونِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا، وَسَيَأْتِي تَسْمِيَتُهُ وَالْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَائِدَةٌ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَدَّ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ السَّلَامَ بِالْإِشَارَةِ، وَقَدْ بَوَّبَ الْمُصَنِّفُ لِمَسْأَلَةِ الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ بِتَرْجَمَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَسَتَأْتِي فِي أَوَاخِرِ سُجُودِ السَّهْوِ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ فُضَيْلٍ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا. وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ الَّتِي فِي الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ: لَشُغْلًا بِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ، وَالتَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّنْوِيعِ، أَيْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، أَوْ لِلتَّعْظِيمِ؛ أَيْ شُغْلًا وَأَيُّ لِأَنَّهَا مُنَاجَاةٌ مَعَ اللَّهِ تَسْتَدْعِي الِاسْتِغْرَاقَ بِخِدْمَتِهِ، فَلَا يَصْلُحُ فِيهَا الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ وَظِيفَةَ الْمُصَلِّي الِاشْتِغَالُ بِصَلَاتِهِ، وَتَدَبُّرُ مَا يَقُولُهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَرَّجَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ رَدِّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ: إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ. وَزَادَ فِي رِوَايَةِ كُلْثُومٍ الْخُزَاعِيِّ: إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا يَنْبَغِي لَكُمْ فَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ. فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ.
قَوْلُهُ: (هُرَيْمُ) بِهَاءٍ وَرَاءٍ مُصَغَّرًا، وَالسَّلُولِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَلَامَيْنِ، الْأُولَى خَفِيفَةٌ مَضْمُومَةٌ، وَرِجَالُ الْإِسْنَادَيْنِ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ، وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَرِوَايَةُ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِمَّا عُدَّ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ.
قَوْلُهُ: (نَحْوَهُ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ هُرَيْمٍ غَيْرُ مُتَّحِدٍ مَعَ لَفْظِ رِوَايَةِ ابْنِ فُضَيْلٍ وَأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَكَذَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ هُرَيْمٍ أَيْضًا: نَحْوَهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سِيَاقِ لَفْظِ هُرَيْمٍ إِلَّا عِنْدَ الْجَوْزَقِيِّ، فَإِنَّهُ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ، وَلَمْ أَرَ بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةً، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَدِمْنَا بَدَلَ رَجَعْنَا، وَزَادَ: فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالْبَاقِي سَوَاءٌ، وَسَيَأْتِي فِي الْهِجْرَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ أَوْضَحَ مِنْ هَذَا، وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى، مِنْهَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ كُلْثُومٍ الْخُز اعِيِّ عَنْهُ، وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ مِنْ أَوَاخِرِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ شُبَيْلٍ لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَبُوهُ بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ، وَآخِرُهُ لَامٌ مُصَغَّرًا، وَلَيْسَ لِأَبِي عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ إِيَاسٍ الشَّيْبَانِيِّ شَيْخِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ غَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَهَذَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: أُمِرْنَا لِقَوْلِهِ فِيهِ: عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْ بِذَلِكَ لَكَانَ ذِكْرُ نُزُولِ الْآيَةِ كَافِيًا فِي كَوْنِهِ مَرْفُوعًا.