مَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْآرَاءِ فِي الْمَذَاهِبِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَا حُجَّةَ لِلْعِرَاقِيِّينَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُمْ خَالَفُوهُ، فَقَالُوا: إِنْ جَلَسَ الْمُصَلِّي فِي الرَّابِعَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ أَضَافَ إِلَى الْخَامِسَةِ سَادِسَةً، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّابِعَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَلَمْ يُنْقَلْ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِضَافَةٌ سَادِسَةٌ وَلَا إِعَادَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا عِنْدَهُمْ. قَالَ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُخَالِفَ السُّنَّةَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا.
قَوْلُهُ: (عَنِ الْحَكَمِ) هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ الْفَقِيهُ الْكُوفِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ)؛ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ.
قَوْلُهُ: (صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا) كَذَا جَزَمَ بِهِ الْحَكَمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْقِبْلَةِ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَتَمُّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، وَفِيهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا أَدْرِي: زَادَ أَوْ نَقَصَ.
قَوْلُهُ: (فَقِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا. فَتَبَيَّنَ أَنَّ سُؤَالَهُمْ لِذَلِكَ كَانَ بَعْدَ اسْتِفْسَارِهِ لَهُمْ عَنْ مُسَارَرَتِهِمْ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى عَظِيمِ أَدَبِهِمْ مَعَهُ ﷺ، وَقَوْلُهُمْ: هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ. يُفَسِّرُ الرِّوَايَةَ الْمَاضِيَةَ فِي أَبْوَابِ الْقِبْلَةِ بِلَفْظِ: هَلْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ.
(تَنْبِيهٌ): رَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا، وَلَفْظُهُ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْكَلَامِ قَوْلَهُ: وَمَا ذَاكَ فِي جَوَابِ قَوْلِهِمْ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَهَذَا نَظِيرُ مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ قَوْلَهُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ. فَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَهَا فِيهِ، فَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلُ، وَرِوَايَةُ مَنْصُورٍ أَرْجَحُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ) يَأْتِي فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَيْضًا بِلَفْظِ: فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ: وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. وَفِيهِ الزِّيَادَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا، وَهِيَ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مِسْعَرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ: فَأَيُّكُمْ شَكَّ فِي صَلَاةٍ فَلْيَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ. وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ: فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ. وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ: فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الصَّوَابُ. زَادَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مِسْعَرٍ: فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالتَّحَرِّي، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: هُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ لَا عَلَى الْأَغْلَبِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الذِّمَّةِ بِيَقِينٍ فَلَا تَسْقُطُ إِلَّا بِيَقِينٍ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: التَّحَرِّي فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يُفَسِّرُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: وَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ. وَرَوَى سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَوَخَّ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ. انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ نَحْوَهُ، وَلَفْظُهُ: قَوْلُهُ فَلْيَتَحَرَّ؛ أَيْ فِي الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَقَصَهُ فَلْيُتِمَّهُ، فَيَكُونُ التَّحَرِّي أَنْ يُعِيدَ مَا شَكَّ فِيهِ، وَيَبْنِيَ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، وَهُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، إِلَّا أَنَّ الْأَلْفَاظَ تَخْتَلِفُ.
وَقِيلَ: التَّحَرِّي الْأَخْذُ بِغَالِبِ الظَّنِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: الْبِنَاءُ غَيْرُ التَّحَرِّي، فَالْبِنَاءُ أَنْ يَشُكَّ فِي الثَّلَاثِ أَوِ الْأَرْبَعِ مَثَلًا، فَعَلَيْهِ أَنْ يُلْغِيَ الشَّكَّ، وَالتَّحَرِّي أَنْ يَشُكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَدْرِي مَا صَلَّى، فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّحَرِّي لِمَنِ اعْتَرَاهُ الشَّكُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَيَبْنِي عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ: التَّحَرِّي يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامِ فَهُوَ الَّذِي يَبْنِي عَلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ دَائِمًا. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute