الْقَلَقِ وَالْجَزَعِ، وَلَفْظُ الْمُصِيبَةِ فِي الْآيَةِ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُصِيبَةَ بِالْوَلَدِ، فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ) هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ) قَيَّدَهُ بِهِ لِيَخْرُجَ الْكَافِرُ، وَمِنْ الْأُولَى بَيَانِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ زَائِدَةٌ، وَسَقَطَتْ مِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ. وَمُسْلِمٍ اسْمُ مَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ وَمَا مَعَهُ الْخَبَرُ، وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ، لَكِنْ هَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ لِمَنْ مَاتَ لَهُ أَوْلَادٌ فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاتَ لِي وَلَدَانِ، قَالَ: مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدَانِ فِي الْإِسْلَامِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فِي الْإِسْلَامِ فَمَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ رَجَاءَ الْأَسْلَمِيَّةِ قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي فِي ابْنٍ لِي بِالْبَرَكَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ لي ثَلَاثَةٌ. فَقَالَ: أَمُنْذُ أَسْلَمْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (يُتَوَفَّى لَهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهِ الْمَذْكُورَةِ: مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يُتَوَفَّى لَهُمَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ وَلَدِهِ الرَّجُلُ حَقِيقَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ الْمَذْكُورَةُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَفِيهَا: ثَلَاثَةٌ مِنْ صُلْبِهِ. وَكَذَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْأَوْلَادِ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ؟ مَحَلُّ بَحْثٍ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَوْلَادَ الصُّلْبِ يَدْخُلُونَ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ فَقْدِ الْوَسَائِطِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَبِ، وَفِي التَّقيَيُّدِ بِكَوْنِهِمْ مِنْ صُلْبِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِخْرَاجِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ.
قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ: ثَلَاثٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ، وَهُوَ جَائِزٌ لِكَوْنِ الْمُمَيَّزِ مَحْذُوفًا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ) كَذَا لِلْجَمِيعِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ، بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ، وَحَكَى ابْنُ قُرْقُولٍ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَفَسَّرَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَبْلُغُوا أَنْ يَعْمَلُوا الْمَعَاصِيَ. قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ كَذَلِكَ غَيْرُهُ، وَالْمَحْفُوظُ: الْأَوَّلُ؛ وَالْمَعْنَى: لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ، فَتُكْتَبْ عَلَيْهِمُ الْآثَامُ. قَالَ الْخَلِيلُ: بَلَغَ الْغُلَامُ الْحِنْثَ إِذَا جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ، وَالْحِنْثُ: الذَّنْبُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ﴾ وَقِيلَ: الْمُرَادُ: بَلَغَ إِلَى زَمَانٍ يُؤَاخَذُ بِيَمِينِهِ إِذَا حَنِثَ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: عَبَّرَ بِالْحِنْثِ عَنِ الْبُلُوغِ لَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ يُؤَاخَذُ بِمَا يَرْتَكِبُهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، وَخُصَّ الْإِثْمَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِالْبُلُوغِ، لِأَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يُثَابُ، وَخَصَّ الصَّغِيرَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الشَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، وَالْحُبُّ لَهُ أَشَدُّ، وَالرَّحْمَةُ لَهُ أَوْفَرُ، وَعَلَى هَذَا، فَمَنْ بَلَغَ الْحِنْثَ لَا يَحْصُلُ لِمَنْ فَقَدَهُ مَا ذُكِرَ مِنْ هَذَا الثَّوَابِ، وَإِنْ كَانَ فِي فَقْدِ الْوَلَدِ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُقُوقُ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الرَّحْمَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ إِذْ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ، وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: بَلْ يَدْخُلُ الْكَبِيرُ فِي ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْفَحْوَى، لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الطِّفْلِ الَّذِي هُوَ كَلٌّ عَلَى أَبَوَيْهِ، فَكَيْفَ لَا يَثْبُتُ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، وَوَصَلَ لَهُ مِنْهُ النَّفْعُ، وَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْحُقُوقِ؟ قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِلْغَاءِ الْبُخَارِيِّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ فِي التَّرْجَمَةِ. انْتَهَى. وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ، لِأَنَّ الرَّحْمَةَ لِلصِّغَارِ أَكْثَرُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِثْمِ مِنْهُمْ.
وَهَلْ يَلْتَحِقُ بِالصِّغَارِ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مَثَلًا، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ فَمَاتَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ كَوْنَهُمْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ يَقْتَضِي الْإِلْحَاقَ، وَكَوْنَ الِامْتِحَانِ بِهِمْ يَخِفُّ بِمَوْتِهِمْ يَقْتَضِي عَدَمَهُ، وَلَمْ يَقَعِ التَّقْيِيدُ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ بِشِدَّةِ الْحُبِّ وَلَا عَدَمِهِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لِمَا يُوجَدُ مِنْ كَرَاهَةِ بَعْضِ النَّاسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute