للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هَانِئٍ أَيْضًا سَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُنَّ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ فَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ الثَّلَاثَةِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الِاثْنَيْنِ كَذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ أُوحِيَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْحَالِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَبْعَدًا جِدًّا، لِأَنَّ مَفْهُومَهُ يُخْرِجُ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ثَبَتَ لَهُمَا ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْوَحْيِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْعَدَدِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ هُنَا، كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ، نَعَمْ، قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ مِمَّنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، وَرَوَى الْحَاكِمُ، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: مَا مِنَ امْرِئٍ، وَلَا امْرَأَةٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَهَذَا لَا بُعْدَ فِي تَعَدُّدِهِ، لِأَنَّ خِطَابَ النِّسَاءِ بِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الرِّجَالِ بِهِ.

قَوْلُهُ: (وَاثْنَانِ) قَالَ ابْنُ التِّينِ تَبَعًا لِعِيَاضٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابِيَّةَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَلَمْ تَعْتَبِرْهُ، إِذْ لَوِ اعْتَبَرَتْهُ لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَهَا عَمَّا عَدَا الثَّلَاثَةَ، لَكِنَّهَا جَوَّزَتْ ذَلِكَ فَسَأَلَتْهُ. كَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا اعْتَبَرَتْ مَفْهُومَ الْعَدَدِ، إِذْ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْهُ لَمْ تَسْأَلْ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ دَلَالَةَ مَفْهُومِ الْعَدَدِ لَيْسَتْ يَقِينِيَّةً، وإِنَّمَا هِيَ مُحْتَمَلَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَإِنَّمَا خَصَّتِ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ، فَبِعِظَمِ الْمُصِيبَةِ يَكْثُرُ الْأَجْرُ، فَأَمَّا إِذَا زَادَ عَلَيْهَا فَقَدْ يَخِفُّ أَمْرُ الْمُصِيبَةِ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْعَادَةِ كَمَا قِيلَ: رُوِّعْتُ بِالْبَيْنِ حَتَّى مَا أُرَاعَ لَهُ. انْتَهَى.

وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى انْحِصَارِ الْأَجْرِ الْمَذْكُورِ فِي الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ فِي الِاثْنَيْنِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ وَالْخَمْسَةِ، وَهُوَ جُمُودٌ شَدِيدٌ، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ لَهُ أَرْبَعَةٌ فَقَدْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ ضَرُورَةً، لِأَنَّهُمْ إِنْ مَاتُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَقَدْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَزِيَادَةٌ، وَلَا خَفَاءَ بِأَنَّ الْمُصِيبَةَ بِذَلِكَ أَشَدُّ، وَإِنْ مَاتُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْأَجْرَ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ مَوْتِ الثَّالِثِ بِمُقْتَضَى وَعْدِ الصَّادِقِ، فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّهُ إِنْ مَاتَ لَهُ الرَّابِعُ أَنْ يَرْتَفِعَ عَنْهُ ذَلِكَ الْأَجْرُ مَعَ تَجَدُّدِ الْمُصِيبَةِ، وَكَفَى بِهَذَا فَسَادًا، وَالْحَقُّ أَنَّ تَنَاوُلَ الْخَبَرِ الْأَرْبَعَةَ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا مَا فَوْقَهَا، لِأَنَّهُ كَالْمَعْلُومِ عِنْدَهُمْ، إِذِ الْمُصِيبَةُ إِذَا كَثُرَتْ كَانَ الْأَجْرُ أَعْظَمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحَالُ فِي ذَلِكَ بِافْتِرَاقِ حَالِ الْمُصَابِ مِنْ زِيَادَةِ رِقَّةِ الْقَلْبِ وَشِدَّةِ الْحُبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ.

(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ: وَاثْنَانِ؛ أَيْ: وَإِذَا مَاتَ اثْنَانِ مَا الْحُكْمُ؟ فَقَالَ وَاثْنَانِ: أَيْ: وَإِذَا مَاتَ اثْنَانِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: وَاثْنَيْنِ بِالنَّصْبِ؛ أَيْ: وَمَا حُكْمُ اثْنَيْنِ؟ وَفِي رِوَايَةِ سَهْلٍ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا: أَوِ اثْنَانِ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ حُكْمِ الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْحَالِ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي أَسْرَعِ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ: كَانَ الْعِلْمُ عِنْدَهُ بِذَلِكَ حَاصِلًا، لَكِنَّهُ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّكِلُوا؛ لِأَنَّ مَوْتَ الِاثْنَيْنِ غَالِبًا أَكْثَرُ مِنْ مَوْتِ الثَّلَاثَةِ كمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ فِي الشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ، ثُمَّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْجَوَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ شَرِيكٌ. . . إِلَخْ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: أَتَانِي أَبُو صَالِحٍ يُعَزِّينِي عَنِ ابْنٍ لِي، فَأَخَذَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَدْفِنُ ثَلَاثَةَ أَفْرَاطٍ إِلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ؟ قَالَ: وَاثْنَيْنِ. وَلَمْ تَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحِنْثَ. وَهَذَا السِّيَاقُ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ اتَّفَقَا عَلَى السِّيَاقِ الْمَرْفُوعِ، وَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِهِ هَذَا الْقَيْدَ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ