للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ شُعْبَةَ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَعَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: ثَلَاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ وَفِي حِفْظِهِ نَظَرٌ، لَكِنَّهَا ثَابِتَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي بَابِ ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَيَأْتِي زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ مَوْتُ الصَّبِيِّ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ يَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ الْوَاحِدَ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ:

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَسُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ.

قَوْلُهُ: (لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ) وَقَعَ فِي الْأَطْرَافِ لِلْمِزِّيِّ هُنَا: لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، وَلَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَلَا مُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي مَتْنِ الطَّرِيقِ الْآخَرِ، وَفَائِدَةُ إِيرَادِ هَذِهِ الطَّرِيقِ الْأَخِيرَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا مَا فِي سِيَاقِهَا مِنَ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ: لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ. . . إِلَخْ، لِشُمُولِهِ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ، بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ الْمَاضِيَةِ، فَإِنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِالنِّسَاءِ.

قَوْلُهُ: (فَيَلِجَ النَّارَ) بِالنَّصْبِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ يُنْصَبُ بَعْدَ النَّفْيِ بِتَقْدِيرِ أَنْ، لَكِنْ حَكَى الطِّيبِيُّ أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْفَاءِ، وَمَا بَعْدَهَا سَبَبِيَّةٌ، وَلَا سَبَبِيَّةَ هُنَا، إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْأَوْلَادِ، وَلَا عَدَمُهُ سَبَبًا لِوُلُوجِ مَنْ وَلَدَهُمُ النَّارَ. قَالَ: وَإِنَّمَا الْفَاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ الَّتِي لِلْجَمْعِ، وَتَقْرِيرُهُ: لَا يَجْتَمِعُ لِمُسْلِمٍ مَوْتُ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِهِ وَوُلُوجُهُ النَّارَ. لَا مَحِيدَ عَنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ بِالنَّصْبِ، وَهَذَا قَدْ تَلَقَّاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ الطِّيبِيِّ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ حَاصِلَةٌ بِالنَّظَرِ إِلَى الْاستثْنَاءِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ تَخْفِيفَ الْوُلُوجِ مُسَبَّبٌ عَنْ مَوْتِ الْأَوْلَادِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْوُلُوجَ عَامٌّ وَتَخْفِيفُهُ يَقَعُ بِأُمُورٍ، مِنْهَا مَوْتُ الْأَوْلَادِ بِشَرْطِهِ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْفَاءَ بِمَعْنَى الْوَاوِ الَّتِي لِلْجَمْعِ فِيهِ نَظَرٌ، وَوَجَدْتُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِلشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ: الْمَعْنَى أَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِي لَمْ يَحْصُلْ عَقِبَ الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّهُ نَفَى وُقُوعَهُمَا بِصِفَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْوُلُوجِ عَقِبَ الْمَوْتِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ بِالرَّفْعِ فَمَعْنَاهُ لَا يُوجَدُ وُلُوجُ النَّارِ عَقِبَ مَوْتِ الْأَوْلَادِ إِلَّا مِقْدَارًا يَسِيرًا. انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بِلَفْظِ: لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ تَمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ. وَقَوْلُهُ: تَمَسُّهُ بِالرَّفْعِ جَزْمًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ؛ أَيْ: مَا يَنْحَلُّ بِهِ الْقَسَمُ، وَهُوَ الْيَمِينُ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَلَّلَ الْيَمِينَ، أَيْ كَفَّرَهَا. يُقَالُ: حَلَّلَ تَحْلِيلًا، وَتَحِلَّةً وَتَحِلًّا بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالثَّالِثُ شَاذٌّ، وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ: فَعَلْتُهُ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ؛ أَيْ قَدْرَ مَا حَلَلْتُ بِهِ يَمِينِي، وَلَمْ أُبَالِغْ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: حَلَلْتُ الْقَسَمَ تَحِلَّةً؛ أَيْ أَبْرَرْتُهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْقَسَمِ، فَقِيلَ: هُوَ مُعَيَّنٌ، وَقِيلَ: غَيْرُ مُعَيَّنٍ. فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: لَمْ يُعْنَ بِهِ قَسَمٌ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّقْلِيلُ لِأَمْرِ وُرُودِهَا، وَهَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا، تَقُولُ: لَا يَنَامُ هَذَا إِلَّا لِتَحْلِيلِ الْإِلِيَّةِ، وَتَقُولُ: مَا ضَرَبْتُهُ إِلَّا تَحْلِيلًا، إِذَا لَمْ تُبَالِغْ فِي الضَّرْبِ؛ أَيْ قَدْرًا يُصِيبُهُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ. وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ أَيْ لَا تَمَسُّهُ النَّارُ قَلِيلًا، وَلَا كَثِيرًا، وَلَا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، وَقَدْ جَوَّزَ الْفَرَّاءُ، وَالْأَخْفَشُ مَجِيءَ إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَجَعَلُوا مِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلا مَنْ ظَلَمَ﴾ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا﴾ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ لِيُعَاقَبَ بِهَا وَلَكِنَّهُ يَدْخُلُهَا مُجْتَازًا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْجَوَازُ إِلَّا قَدْرَ مَا يُحَلِّلُ بِهِ الرَّجُلُ يَمِينَهُ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ: إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ. يَعْنِي الْوُرُودَ.

وَفِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ قَرَأَ سُفْيَانُ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا﴾ وَمِنْ