للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَحَكَى الْكَرْمَانِيُّ تَفْصِيلًا آخَرَ وَحَسَّنَهُ، وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَالِ الْبَرْزَخِ وَحَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ عَلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَمَا أَشْبَهَهُ عَلَى الْبَرْزَخِ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَقَعُ فِي الدُّنْيَا، وَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ التَّعْذِيبِ عَلَى الْإِنْسَانِ بِمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ، فَكَذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِي الْبَرْزَخِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ: الْأَوَّلُ حَدِيثُ أُسَامَةَ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، وَمُحَمَّدٌ) هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) هُوَ النَّهْدِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي أَوَاخِرِ الطِّبِّ، عَنْ عَاصِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ.

قَوْلُهُ: (أَرْسَلَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ هِيَ زَيْنَبُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْمَذْكُورِ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ ابْنًا لِي) قِيلَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَهُوَ مِنْ زَيْنَبَ، كَذَا كَتَبَ الدِّمْيَاطِيُّ بِخَطِّهِ فِي الْحَاشِيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُسَمًّى فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ عَلِيًّا الْمَذْكُورَ عَاشَ حَتَّى نَاهَزَ الْحُلُمَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ أَرْدَفَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ صَبِيٌّ عُرْفًا، وَإِنْ جَازَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ. وَوَجَدْتُ فِي الْأَنْسَابِ لِلْبَلَاذُرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنْ رُقَيَّةَ بِنْتِ النَّبِيِّ لَمَّا مَاتَ وَضَعَهُ النَّبِيُّ فِي حِجْرِهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ.

وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ثَقُلَ ابْنٌ لِفَاطِمَةَ، فَبَعَثَتْ إِلَى النَّبِيِّ . . . فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ، وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي الْبُكَاءِ، فَعَلَى هَذَا قالِا ابْنُ الْمَذْكُورُ مُحْسِنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّهُ مَاتَ صَغِيرًا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ، فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الِابْنُ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ لِصَبِيٍّ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمُرْسِلَةَ زَيْنَبُ، لَكِنَّ الصَّوَابَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْمُرْسِلَةَ زَيْنَبُ، وَأَنَّ الْوَلَدَ صَبِيَّةٌ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَلَفْظُهُ: أُتِيَ النَّبِيُّ بِأُمَامَةَ بِنْتِ زَيْنَبَ. زَادَ سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ فِي الثَّانِي مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهِيَ لِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ: وَنَفْسُهَا تَقَعْقَعُ، كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ. فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ، وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ.

وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ سَعْدَانَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ أُمَيْمَةُ بِالتَّصْغِيرِ، وَهِيَ أُمَامَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ أَنَّ زَيْنَبَ لَمْ تَلِدْ لِأَبِي الْعَاصِ إِلَّا عَلِيًّا وَأُمَامَةَ فَقَطْ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ مِنْ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ عَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ حَتَّى تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ، ثُمَّ عَاشَتْ عِنْدَ عَلِيٍّ حَتَّى قُتِلَ عَنْهَا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ؛ أَيْ قَارَبَ أَنْ يُقْبَضَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: أَرْسَلَتْ تَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي الْمَوْتِ. وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ: إِنَّ ابْنَتِي قَدْ حُضِرَتْ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِهِ أَنَّ ابْنِي أَوِ ابْنَتِي، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّوَابَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ابْنَتِي، لَا ابْنِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: اسْتُعِزَّ بِأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ، فَبَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْهِ تَقُولُ لَهُ. . .

فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أُسَامَةَ، وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ سَعْدٍ فِي الْبُكَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: اسْتُعِزَّ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ؛ أَيِ اشْتَدَّ بِهَا الْمَرَضُ، وَأَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمَ نَبِيَّهُ لَمَّا سَلَّمَ لِأَمْرِ رَبِّهِ، وَصَبَّرَ ابْنَتَهُ وَلَمْ يَمْلِكْ مَعَ ذَلِكَ عَيْنَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ بِأَنْ عَافَى اللَّهُ ابْنَةَ ابْنَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَخَلَصَتْ مِنْ تِلْكَ الشِّدَّةِ، وَعَاشَتْ