للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٢٩٢ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ" تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ وَقَالَ آدَمُ عَنْ شُعْبَةَ "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ"

قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: مَا مَوْصُولَةٌ، وَمِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، فَالتَّقْدِيرُ: الَّذِي يُكْرَهُ مِنْ جِنْسِ الْبُكَاءِ هُوَ النِّيَاحَةُ. وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً وَمِنْ تَبْعِيضِيَّةً، وَالتَّقْدِيرُ: كَرَاهِيَةُ بَعْضِ النِّيَاحَةِ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُرَابِطِ وَغَيْرُهُ. وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ، عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً: أَنَّ بَعْضَ النِّيَاحَةِ لَا تَحْرُمُ. وَفِيهِ نَظَرٌ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يَنْهَ عَمَّةَ جَابِرٍ (١)، لَمَّا نَاحَتْ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النِّيَاحَةَ إِنَّمَا تَحْرُمُ إِذَا انْضَافَ إِلَيْهَا فِعْلٌ مِنْ ضَرْبِ خَدٍّ أَوْ شَقِّ جَيْبٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِأُحُدٍ، وَقَدْ قَالَ فِي أُحُدٍ: لَكِنْ حَمْزَةُ لَا بَوَاكِيَ لَهُ.

ثُمَّ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ بِنِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَبْكِينَ هَلْكَاهُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ. فَجَاءَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ حَمْزَةَ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: وَيْحَهُنَّ، مَا انْقَلَبْنَ بَعْدُ، مُرُوهُنَّ فَلْيَنْقَلِبْنَ، وَلَا يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ. وَلَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ: دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ إِلَخْ) هَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ اجْتَمَعَ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ - أَيِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ - وَهُنَّ بَنَاتُ عَمِّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَرْسِلْ إِلَيْهِنَّ فَانْهَهُنَّ، فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ وَكِيعٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ) بِقَافَيْنِ، الْأُولَى سَاكِنَةٌ، وَقَدْ فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ النَّقْعَ: التُّرَابُ. أَيْ وَضْعُهُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ. أَيِ الْمُرْتَفِعُ. وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ، فَأَمَّا تَفْسِيرُ اللَّقْلَقَةِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا النَّقْعُ فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: النَّقْعُ: الشَّقُّ؛ أَيْ شَقُّ الْجُيُوبِ، وَكَذَا قَالَ وَكِيعٌ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْهُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ هُوَ صَنْعَةُ الطَّعَامِ لِلْمَأْتَمِ، كَأَنَّهُ ظَنَّهُ مِنَ النَّقِيعَةِ، وَهِيَ طَعَامُ الْمَأْتَمِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النَّقِيعَةَ طَعَامُ الْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْجِهَادِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَيْهِ، وَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ رَفْعُ الصَّوْتِ، يَعْنِي بِالْبُكَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَضْعُ التُّرَابِ عَلَى الرَّأْسِ، لِأَنَّ النَّقْعَ هُوَ الْغُبَارُ. وَقِيلَ: هُوَ شَقُّ الْجُيُوبِ، وَهُوَ قَوْلُ شِمْرٍ، وَقِيلَ: هُوَ صَوْتُ لَطْمِ الْخُدُودِ. حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَى الْبُخَارِيِّ: النَّقْعُ لَعَمْرِي، هُوَ الْغُبَارُ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ هُنَا الصَّوْتُ الْعَالِي، وَاللَّقْلَقَةُ تَرْدِيدُ صَوْتِ النُّوَاحَةِ. انْتَهَى.

وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ بَعْدَ أَنْ فُسِّرَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ وَضْعَ التُّرَابِ عَلَى الرَّأْسِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ أَهْلِ الْمَصَائِبِ، بَلْ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْمُرَجَّحُ أَنَّهُ وَضْعُ التُّرَابِ عَلَى الرَّأْسِ، وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِالصَّوْتِ فَيَلْزَمُ مُوَافَقَتُهُ لِلَّقْلَقَةِ، فَحَمْلُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةً مِنْ وَجْهٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ): كَانَتْ وَفَاةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِالشَّامِ سَنَةَ إِحْدَى


(١) مراده لما ناحت على أخيها عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر