الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَزَادَ: إِنَّ مَرْوَانَ لَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ: قُمْ قَامَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لِمَ أَقَمْتَنِي؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَقَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي؟ قَالَ: كُنْتُ إِمَامًا فَجَلَسْتُ. فَعَرَفَ بِهَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ل مْ يَكُنْ يَرَاهُ وَاجِبًا، وَأَنَّ مَرْوَانَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ بَادَرَ إِلَى الْعَمَلِ بِهَا بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: مُرَّ عَلَى مَرْوَانَ بِجِنَازَةٍ فَلَمْ يَقُمْ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّتْ عَلَيْهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقَامَ مَرْوَانُ. وَأَظُنُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخْتَصَرَةً مِنَ الْقِصَّةِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِاسْتِحْبَابِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْقَائِمَ مِثْلُ الْحَامِلِ، يَعْنِي فِي الْأَجْرِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ: يُكْرَهُ الْقُعُودُ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يَجِبُ الْقِيَامُ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِرِوَايَةِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ قَالَا: مَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَهِدَ جِنَازَةً قَطُّ، فَجَلَسَ حَتَّى تُوضَعَ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.
(تَنْبِيهَانِ):
(الْأَوَّلُ): قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إِنَّمَا نَوَّعَ هَذِهِ التَّرَاجِمَ مَعَ إِمْكَانِ جَمْعِهَا فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَمَا يَخْتَصُّ كُلُّ طَرِيقٍ مِنْهَا بِحِكْمَةٍ، وَلِأَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ وَقَعَ فِيمَا لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِهِ فِي التَّرْجَمَةِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ.
(الثَّانِي): قَالَ: ثَبَتَ بَيْنَ حَدِيثَيِ الْبَابِ تَرْجَمَةٌ لَفْظُهَا: بَابُ مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً. وَجَدَ ذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ مُحَرَّرَةٍ مَسْمُوعَةٍ، فَإِنْ سَقَطَتْ فِي غَيْرِهَا قَدَّمَ مَنْ أَثْبَتَ عَلَى مَنْ نَفَى، قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهَا بِمَا قَبْلَهَا لِتَصْرِيحِهِ فِي الْخَبَرِ بِأَنَّهُمَا جَلَسَا قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ، وَأَنَّ ذِكْرَهَا أَوْلَى مِنْ حَذْفِهَا. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي مِنَ الزِّيَادَةِ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ التَّرْجَمَةُ الْأُولَى، وَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَةِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ إِلَّا قَوْلَهُ: عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ مَنْ وَقَعَتْ فِي رِوَايَتِهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ) هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَهِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا أَبْيَنُ سِيَاقًا مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُوَ يُوَضِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ مَنْ كَانَ مَعَهَا أَوْ مُشَاهِدًا لَهَا، وَأَمَّا مَنْ مَرَّتْ بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ إِلَّا قَدْرَ مَا تَمُرُّ عَلَيْهِ، أَوْ تُوضَعُ عِنْدَهُ بِأَنْ يَكُونَ بِالْمُصَلَّى مَثَلًا. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَلَمْ يَمْشِ مَعَهَا فَلْيَقُمْ حَتَّى تَغِيبَ عَنْهُ، وَإِنْ مَشَى مَعَهَا فَلَا يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ. وَفِي هَذَا السِّيَاقِ بَيَانٌ لِغَايَةِ الْقِيَامِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَنْ مَرَّتْ بِهِ، وَلَفْظُ الْقِيَامِ يَتَنَاوَلُ مَنْ كَانَ قَاعِدًا، فَأَمَّا مَنْ كَانَ رَاكِبًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقِفَ، وَيَكُونُ الْوُقُوفُ فِي حَقِّهِ كَالْقِيَامِ فِي حَقِّ الْقَاعِدِ، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا عَلَى أَنَّ شُهُودَ الْجِنَازَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْيَانِ.
٤٩ - بَاب مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ
١٣١١ - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَالَ: مَرَّ بِنَا جَنَازَةٌ، فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ، فَقُمْنَا بِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا.
١٣١٢ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِس يَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute