أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَا: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ، فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ. فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟
١٣١٣ - وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ قَيْسٍ، وَسَهْلٍ ﵄، فَقَالَا: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ، وَقَيْسٌ يَقُومَانِ لِلْجَنَازَةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ قَامَ لِجِنَازَةِ يَهُودِيٍّ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَ (يَحْيَى) هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ.
قَوْلُهُ: (مُرَّ بِنَا) بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَرَّتْ بِفَتْحِ الْمِيمِ.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ)، زَادَ غَيْرُ كَرِيمَةَ لَهَا.
قَوْلُهُ: (فَقُمْنَا) فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَقُمْنَا بِالْوَاوِ، وَزَادَ الْأَصِيلِيُّ وَكَرِيمَةُ: لَهُ، وَالضَّمِيرُ لِلْقِيَامِ، أَيْ لِأَجْلِ قِيَامِهِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَحْمِلَ قِيلَ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ. زَادَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: فَقَالَ: إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ. وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْتَ يُفْزَعُ مِنْهُ، إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِعْظَامِهِ، وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَسْتَمِرَّ الْإِنْسَانُ عَلَى الْغَفْلَةِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَوْتِ، لِمَا يُشْعِرُ ذَلِكَ مِنَ التَّسَاهُلِ بِأَمْرِ الْمَوْتِ، فَمِنْ ثَمَّ اسْتَوَى فِيهِ كَوْنُ الْمَيِّتِ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: جَعْلُ نَفْسِ الْمَوْتِ فَزَعًا مُبَالَغَةٌ، كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ عَدْلٌ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُوَ مَصْدَرٌ جَرَى مَجْرَى الْوَصْفِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَفِيهِ تَقْدِيرٌ؛ أَيِ الْمَوْتُ ذُو فَزَعٍ. انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي رِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِنَّ لِلْمَوْتِ فَزَعًا. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ، قَالَ: وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ يَنْبَغِي لِمَنْ رَآهَا أَنْ يَقْلَقَ مِنْ أَجْلِهَا وَيَضْطَرِبَ، وَلَا يَظْهَرُ مِنْهُ عَدَمُ الِاحْتِفَالِ وَالْمُبَالَاةِ.
قَوْلُهُ: (فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالْحَمَوِيِّ: عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى قَيْسٍ، وَهُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَسَهْلٍ، وَهُوَ ابْنُ حُنَيْفٍ، وَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ مَعَهُمَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ) كَذَا فِيهِ بِلَفْظِ: (أَيِ) الَّتِي يُفَسَّرُ بِهَا، وَهِيَ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ شَرَحَهُ بِلَفْظِ: (أَوِ) الَّتِي لِلشَّكِّ، وَقَالَ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ: أَهْلُ الْأَرْضِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا فَتَحُوا الْبِلَادَ أَقَرُّوهُمْ عَلَى عَمَلِ الْأَرْضِ وَحَمْلِ الْخَرَاجِ.
قَوْلُهُ: (أَلَيْسَتْ نَفْسًا) هَذَا لَا يُعَارِضُ التَّعْلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ لِلْمَوْتِ فَزَعًا. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، فَقَالَ: إِنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ. وَنَحْوَهُ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَلِأَحْمَدَ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: إِنَّمَا تَقُومُونَ إِعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ النُّفُوسَ. وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ: إِعْظَامًا لِلَّهِ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ. فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ السَّابِقَ، لِأَنَّ الْقِيَامَ لِلْفَزَعِ مِنَ الْمَوْتِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَتَعْظِيمٌ لِلْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: إِنَّمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَأَذِّيًا بِرِيحِ الْيَهُودِيِّ. زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ: فَآذَاهُ رِيحُ بَخُورِهَا. وَلِلطَّبَرَانِيِّ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ: كَرَاهِيَةَ أَنْ تَعْلُوَ رَأْسَهُ. فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ الْأَخْبَارَ الْأُولَى الصَّحِيحَةَ، أَمَّا أَوَّلًا، فَلِأَنَّ أَسَانِيدَهَا لَا تُقَاوِمُ تِلْكَ فِي الصِّحَّةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا، فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي، وَالتَّعْلِيلُ الْمَاضِي صَرِيحٌ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَسْمَعِ التَّصْرِيحَ بِالتَّعْلِيلِ مِنْهُ فَعَلَّلَ بِاجْتِهَادِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ