الْمُثَنَّى، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ بِشْرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو الْأَشْعَثِ، عَنْ بِشْرٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ فِي الْإِكْلِيلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى جَابِرٍ وَلَفْظُهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ سَوَاءٌ، فَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حِينَئِذٍ أَنَّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَ وَهْمًا، لَكِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي مِمَّنْ هُوَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ اسْتَشْعَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَعَقَّبَ هَذِهِ الطَّرِيقَ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ مُخْتَصَرًا لِيُوَضِّحَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (مَا أُرَانِي) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى الظَّنِّ، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ سَبَبَ ظَنِّهِ ذَلِكَ مَنَامٌ رَآهُ، أَنَّهُ رَأَى مُبَشِّرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ - وَكَانَ مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ بِبَدْرٍ - يَقُولُ لَهُ: أَنْتَ قَادِمٌ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَقَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ ابْنِ السَّكَنِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ: إِنِّي مُعَرِّضٌ نَفْسِي لِلْقَتْلِ. الْحَدِيثَ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِشَارَةً إِلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ سَيُقْتَلُ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا فِي الْمَغَازِي.
قَوْلُهُ: (وَإنَّ عَلَيَّ دَيْنًا) سَيَأْتِي مِقْدَارُهُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَاقْضِ) كَذَا فِي الْأَصْلِ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ: فَاقْضِهِ.
قَوْلُهُ: (بِأَخَوَاتِكَ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذِكْرِ عِدَّتِهِنَّ، وَمَنْ عُرِفَ اسْمُهَا مِنْهُنَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ) هُوَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ صَدِيقَ وَالِدِ جَابِرٍ وَزَوْجِ أُخْتِهِ هِنْدِ بِنْتِ عَمْرٍو، وَكَأَنَّ جَابِرًا سَمَّاهُ عَمُّهُ تَعْظِيمًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ حِينَ أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمر، وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ: اجْمَعُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَادِقَيْنِ فِي الدُّنْيَا. وَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَأَتْ هِنْدَ بِنْتَ عمر تَسُوقُ بَعِيرًا لَهَا عَلَيْهِ زَوْجُهَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَأَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ لِتَدْفِنَهُمَا بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِرَدِّ الْقَتْلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ الدِّمْيَاطِيِّ: إِنَّ قَوْلَهُ: وَعَمِّي وَهَمٌ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ لَهُ مَحْمَلًا سَائِغًا، وَالتَّجَوُّزُ فِي مِثْلِ هَذَا يَقَعُ كَثِيرًا. وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَعَمِّي تَصْحِيفٌ مِنْ عَمْرٍو، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قُتِلَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَابْنُ أَخِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجُعِلَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: لَيْسَ هُوَ ابْنُ أَخِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَمِّهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَلَعَلَّهُ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَيْ: مِنْ يَوْمِ دَفْنِهِ، وَهَذَا يُخَالِفُ فِي الظَّاهِرِ مَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا، وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ، وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ دَفَنَ أَبَاهُ فِي قَبْرٍ وَحْدَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَفِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُمَا وُجِدَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ قُرْبَ الْمُجَاوَرَةِ، أَوْ أَنَّ السَّيْلَ خَرَقَ أَحَدَ الْقَبْرَيْنِ، فَصَارَا كَقَبْرٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي الْمَغَازِي، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: لَمَّا ضَرَبَ مُعَاوِيَةُ عَيْنَهُ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ انْفَجَرَتِ الْعَيْنُ عَلَيْهِمْ فَجِئْنَا فَأَخْرَجْنَاهُمَا - يَعْنِي عَمْرًا، وَعَبْدَ اللَّهِ - وَعَلَيْهِمَا بُرْدَتَانِ قَدْ غُطِّيَ بِهِمَا وُجُوهُهُمَا، وَعَلَى أَقْدَامِهِمْا شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، فَأَخْرَجْنَاهُمَا يَتَثَنَّيَانِ تَثَنِّيًا كَأَنَّهُمَا دُفِنَا بِالْأَمْسِ. وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ) وَقَالَ عِيَاضٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي السَّكَنِ، وَالنَّسَفِيِّ: غَيْرَ هُنَيَّةٍ فِي أُذُنِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ بِتَقْدِيمِ: غَيْرَ وَزِيَادَةِ: فِي، وَفِي الْأَوَّلِ تَغْيِيرٌ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: هُنَيَّةً؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute