للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْبَرَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، وَصَرَّحَ فِيهِ بِالْإِخْبَارِ بَيْنَ شُعْبَةَ، وَعَلْقَمَةَ، وَبِالسَّمَاعِ بَيْنَ عَلْقَمَةَ، وَسَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ.

قَوْلُهُ: (إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ) فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي: ثُمَّ يَشْهَدُ هَكَذَا سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظٍ أَبَيْنَ مِنْ لَفْظِهِ قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَعَرَفَ مُحَمَّدًا فِي قَبْرِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ إِلَخْ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ عَذَابَ الْقَبْرِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَرَفَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ: (بِهَذَا وَزَادَ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ) يُوهِمُ أَنَّ لَفْظَ غُنْدَرٍ كَلَفْظِ حَفْصٍ وَزِيَادَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى، فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ أَوَّلُ الْحَدِيثِ، وَبَقِيَّتُهُ عِنْدَهُمْ: يُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ. وَالْقَدْرُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ، وَقَدِ اخْتَصَرَ سَعْدٌ، وَخَيْثَمَةُ هَذَا الْحَدِيثَ جِدًّا، لَكِنْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ خَيْثَمَةَ، فَزَادَ فِيهِ: إِنْ كَانَ صَالِحًا وُفِّقَ، وَإِنْ كَانَ لَا خَيْرَ فِيهِ وُجِدَ أَبْلَهُ. وَفِيهِ اخْتِصَارٌ أَيْضًا، وَقَدْ رَوَاهُ زَاذَانُ أَبُو عُمَرَ، عَنِ الْبَرَاءِ مُطَوَّلًا مُبَيَّنًا، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي أَوَّلِهِ: اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَفِيهِ: فَتُرَدُّ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَفِيهِ: فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِي الْإِسْلَامُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ. فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ، كِتَابَ اللَّهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾. وَفِيهِ: وَإنَّ الْكَافِرَ تُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي. الْحَدِيثَ.

وَسَيَأْتِي نَحْوُ هَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ سَادِسِ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَلَعَلَّهُ سَمَّى أَحْوَالَ الْعَبْدِ فِي قَبْرِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ تَغْلِيبًا لِفِتْنَةِ الْكَافِرِ عَلَى فِتْنَةِ الْمُؤْمِنِ لِأَجْلِ التَّخْوِيفِ، وَلِأَنَّ الْقَبْرَ مَقَامُ الْهَوْلِ وَالْوَحْشَةِ، وَلِأَنَّ مُلَاقَاةَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّا يَهَابُ مِنْهُ ابْنُ آدَمَ فِي الْعَادَةِ.

ثَانِيهَا: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ، وَفِيهِ قَوْلُهُ ﷺ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ. أَوْرَدَهُ هُنَا مُخْتَصَرًا، وَسَيَأْتِي مُطَوَّلًا فِي الْمَغَازِي. وَصَالِحٌ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ.

ثَالِثُهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الْآنَ مَا أَنْ كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ. وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْ عَائِشَةٍ إِلَى رَدِّ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ خَالَفَهَا الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ، وَقَبِلُوا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ؛ لِمُوَافَقَةِ مَنْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ فَقَالُوا: مَعْنَاهَا لَا تُسْمِعُهُمْ سَمَاعًا يَنْفَعُهُمْ، أَوْ لَا تُسْمِعُهُمْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: عَائِشَةُ لَمْ تَحْضُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ، فَغَيْرُهَا مِمَّنْ حَضَرَ أَحْفَظُ لِلَفْظِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُخَاطِبُ قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا؟ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ. قَالَ: وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ عَالِمِينَ جَازَ أَنْ يَكُونُوا سَامِعِينَ، إِمَّا بِآذَانِ رُءُوسِهِمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، أَوْ بِآذَانِ الرُّوحِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُوَجِّهُ السُّؤَالَ إِلَى الرُّوحِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إِلَى الْجَسَدِ. قَالَ: وَأَمَّا الْآيَةُ، فَإِنَّهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ أَيْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُسْمِعُ وَيَهْدِي. انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: (إِنَّهَا لَمْ تَحْضُرْ) صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهَا لِأَنَّهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا سَمِعَتْ