للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِيهَا.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ اللَّهِ) هُوَ بِالرَّفْعِ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: هُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنَ الْوُجُوبِ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ: أَوَّلُهَا حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ - هُوَ ابْنُ حَرْبٍ - الطَّوِيلُ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ، أَوْرَدَهُ هُنَا مُعَلَّقًا، وَاقْتَصَرَ مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ: يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْوُجُوبِ ظَاهِرَةٌ.

ثَانِيهَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَعْثِ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَوْضَحُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.

ثَالِثُهَا: حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فِي سُؤَالِ الرَّجُلِ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَأُجِيبُ بِأَنْ: تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصِلَ الرَّحِمَ. وَفِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْوُجُوبِ غُمُوضٌ. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ سُؤَالَهُ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي يُدْخِلُ الْجَنَّةَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُجَابَ بِالنَّوَافِلِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ، فَتُحْمَلَ عَلَى الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ. ثَانِي الْأَجْوِبَةِ: أَنَّ الزَّكَاةَ قَرِينَةُ الصَّلَاةِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ، وَقَدْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا فِي الذِّكْرِ هُنَا. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ وَقَفَ دُخُولَ الْجَنَّةِ عَلَى أَعْمَالٍ مَنْ جُمْلَتِهَا أَدَاءُ الزَّكَاةِ، فَيَلْزَمُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ يَدْخُلْ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ دَخَلَ النَّارَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. رَابِعُهَا: أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الْقِصَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَالْقِصَّةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي يُعْقِبُهُ وَاحِدَةً، فَأَرَادَ أَنْ يُفَسِّرَ الْأَوَّلَ بِالثَّانِي؛ لِقَوْلِهِ فِيهِ: وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ. وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ. وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُ مِنِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ.

رَابِعُ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ.

خَامِسُهَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْضًا.

سَادِسُهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَاحْتِجَاجِهِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : إِنَّ عِصْمَةَ النَّفْسِ وَالْمَالِ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الْحَقِّ، وَحَقُّ الْمَالِ الزَّكَاةُ.

فَأُمًّا حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَدْءِ الْوَحْيِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَعْثِ مُعَاذٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ قَبْلَ أَبْوَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِسِتَّةِ أَبْوَابٍ، وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِهِ: إِنَّ النَّبِيَّ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: ادْعُهُمْ. هَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي التَّوْحِيدِ مُخْتَصَرًا فِي أَوَّلِهِ، وَاخْتَصَرَ أَيْضًا مِنْ آخِرِهِ، وَأَوْرَدَهُ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ مِثْلَهُ، لَكِنَّهُ قَرَنَهُ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَلَفْظُهُ فِي أَوَّلِهِ: إِنَّ النَّبِيَّ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ. وَفِي آخِرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فُقَرَائِهِمْ: فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ فِي ذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ حِجَابٌ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا: فَإِنْ أَطَاعُوا لَكَ فِي ذَلِكَ. وَالَّذِي عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هُنَا: فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَعَ شَرْحِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ بَهْزٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ النَّبِيِّ بِهَذَا. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ، إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَقَوْلُهُ فِيهِ: عَنِ ابْنِ عُثْمَانَ. الْإِبْهَامُ فِيهِ مِنَ الرَّاوِي عَنْ شُعْبَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ هَذَا الرَّجُلِ عَمْرٌو، وَكَانَ شُعْبَةُ يُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا، وَكَانَ الْحُذَّاقُ مِنْ أَصْحَابِهِ يُبْهِمُونَهُ، كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ عَمْرٍو، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: مُحَمَّدٌ، كَمَا قَالَ شُعْبَةُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي طَرِيقِ بَهْزٍ الَّتِي عَلَّقَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَوَصَلَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ الْآتِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَهْزٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْآتِي ذِكْرُهَا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا) هَذَا الرَّجُلُ حَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لَهُ أَنَّهُ أَبُو أَيُّوبَ الرَّاوِي، وَغَلَّطَهُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ. وَفِي التَّغْلِيطِ نَظَرٌ، إِذْ لَا مَانِعَ أَنْ يُبْهِمَ الرَّاوِي نَفْسَهُ لِغَرَضٍ لَهُ، وَلَا يُقَالُ يُبْعِدُ، لِوَصْفِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ بِكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا، لِأَنَّا نَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، فَيَكُونُ السَّائِلُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ هُوَ نَفْسُهُ؛ لِقَوْلِهِ: إِنَّ رَجُلًا، وَالسَّائِلُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ