للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَعْرَابِيٌّ آخَرُ قَدْ سُمِّيَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ، وَابْنُ السَّكَنِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وأَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ فِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْمُنْتَفِقِ، وَهُوَ يَقُولُ: وُصِفَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ، فَطَلَبْتُهُ فَلَقِيتُهُ بِعَرَفَاتٍ، فَزَاحَمْتُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِي: إِلَيْكَ عَنْهُ، فَقَالَ: دَعُوا الرَّجُلَ، أَرَبٌ مَا لَهُ. قَالَ: فَزَاحَمْتُ عَلَيْهِ حَتَّى خَلَصْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ رَاحِلَتِهِ فَمَا غَيَّرَ عَلَيَّ، قَالَ: شَيْئَيْنِ أَسْأَلُكَ عَنْهُمَا: مَا يُنْجِينِي مِنَ النَّارِ؟ وَمَا يُدْخِلنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ أَوْجَزْتَ الْمَسْأَلَةَ لَقَدْ أَعْظَمْتَ وَطَوَّلْتَ، فَاعْقِلْ عَلَيَّ، اعْبُدِ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَصُمْ رَمَضَانَ.

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَدَوْتُ، فَإِذَا رَجُلٌ يُحَدِّثُهُمْ. قَالَ: وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ . ثُمَّ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ فِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْأَخْرَمِ، عَنْ أَبِيهِ، وَالصَّوَابُ: الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ. وَزَعَمَ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّ اسْمَ ابْنِ الْمُنْتَفِقِ هَذَا لَقِيطُ بْنُ صَبِرَةَ وَافِدُ بَنِي الْمُنْتَفِقِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السَّائِلَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ السَّائِلُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ؛ لِأَنَّ سِيَاقَهُ شَبِيهٌ بِالْقِصَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، لَكِنْ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَرَبٌ مَا لَهُ. فِي رِوَايَةِ أَبِي أَيُّوبَ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بِلَفْظِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي. فَذَكَرَهُ. وَهَذَا شَبِيهٌ بِقِصَّةِ سُؤَالِ ابْنِ الْمُنْتَفِقِ. وَأَيْضًا فَأَبُو أَيُّوبَ لَا يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ: إِنَّ أَعْرَابِيًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ وَقَعَ نَحْوُ هَذَا السُّؤَالِ لِصَخْرِ بْنِ الْقَعْقَاعِ الْبَاهِلِيِّ، فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ قَزَعَةَ بْنِ سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي خَالِي، وَاسْمُهُ صَخْرُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، قَالَ: لَقِيتُ النَّبِيَّ بَيْنَ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، فَأَخَذْتُ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ؟ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: مَا لَهُ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَرَبٌ مَا لَهُ؟) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ فَاعِلَ قَالَ: مَا لَهُ مَا لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ بَهْزٍ الْمُعَلَّقَةِ هُنَا الْمَوْصُولَةِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ: قَالَ الْقَوْمُ: مَا لَهُ مَا لَهُ؟. قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: هُوَ اسْتِفْهَامٌ وَالتَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ. وَقَوْلُهُ: أَرَبٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ مُنَوَّنًا، أَيْ: حَاجَةٌ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، اسْتَفْهَمَ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ: لَهُ أَرَبٌ. انْتَهَى. وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ (قَالَ) النَّبِيُّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّاهُ، بَلِ الْمُسْتَفْهِمُ الصَّحَابَةُ وَالْمُجِيبُ النَّبِيُّ . وَمَا زَائِدَةٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَهُ حَاجَةٌ مَا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْمَعْنَى لَهُ حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ مُفِيدَةٌ جَاءَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِالسُّؤَالِ أَنَّ لَهُ حَاجَةً. وَرُوِيَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَظَاهِرُهُ الدُّعَاءُ وَالْمَعْنَى التَّعَجُّبُ مِنَ السَّائِلِ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ: أَرِبَ الرَّجُلُ فِي الْأَمْرِ إِذَا بَلَغَ فِيهِ جَهْدَهُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أَرِبَ فِي الشَّيْءِ صَارَ مَاهِرًا فِيهِ فَهُوَ أَرِيبٌ، وَكَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ حُسْنِ فِطْنَتِهِ وَالتَّهَدِّي إِلَى مَوْضِعِ حَاجَتِهِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا: فَقَالَ النَّبِيُّ : لَقَدْ وُفِّقَ، أو لَقَدْ هُدِيَ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: قَوْلُهُ: أَرِبَ مِنَ الْآرَابِ، وَهِيَ الْأَعْضَاءُ، أَيْ: سَقَطَتْ أَعْضَاؤُهُ وَأُصِيبَ بِهَا كَمَا يُقَالُ: تَرِبَتْ يَمِينُكَ وَهُوَ مِمَّا جَاءَ بِصِيغَةِ الدُّعَاءِ، وَلَا يُرَادُ حَقِيقَتُهُ.

وَقِيلَ: لَمَّا رَأَى الرَّجُلَ يُزَاحِمُهُ دَعَا عَلَيْهِ، لَكِنْ دُعَاؤُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِ طُهْرٌ لَهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ. وَرُوِيَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَالتَّنْوِينِ؛ أَيْ: هُوَ أَرِبٌ، أَيْ: حَاذِقٌ فَطِنٌ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَجَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحْفُوظَةً. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ