لَهُ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَبَطَلَ التَّرَدُّدُ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ يَحْيَى الْقَطَّانُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَبَا هُرَيْرَةَ كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَثَبَتَ ذِكْرُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ خَطَأٌ فَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي التَّتَبُّعِ أَنَّ رِوَايَةَ الْقَطَّانِ مُرْسَلَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ. وَحَجَّاجٌ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ هُنَا، هُوَ ابْنُ مِنْهَالٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ سُلَيْمَانُ، وَأَبُو النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادٍ) يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فِي طَرِيقِ حَجَّاجٍ: (الْإِيمَانُ بِاللَّهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَيْ: وَافَقَا حَجَّاجًا عَلَى سِيَاقِهِ إِلَّا فِي إِثْبَاتِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَحَذَفَاهَا وَهُوَ أَصْوَبُ، فَأَمَّا سُلَيْمَانُ فَهُوَ ابْنُ حَرْبٍ، وَقَدْ وَصَلَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَهُ هَذَا عَنْهُ فِي الْمَغَازِي. وَأَمَّا أَبُو النُّعْمَانِ، فَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، وَقَدْ وَصَلَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَهُ هَذَا عَنْهُ فِي الْخَمْسِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي بَابِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ﴾ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: (لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ) كَانَ تَامَّةٌ بِمَعْنَى حَصَلَ، وَالْمُرَادُ بِهِ: قَامَ مَقَامَهُ.
(تَكْمِيلٌ): اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ فَرْضِ الزَّكَاةِ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَقِيلَ: كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ، أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ السِّيَرِ مِنَ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي التَّارِيخِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي التَّاسِعَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَفِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ ذِكْرُ الزَّكَاةِ، وَكَذَا مُخَاطَبَةُ أَبِي سُفْيَانَ مَعَ هِرَقْلَ، وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ، وَقَالَ فِيهَا: يَأْمُرُنَا بِالزَّكَاةِ، لَكِنْ يُمْكِنُ تَأْوِيلَ كُلِّ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكَلَامِ، وَقَوَّى بَعْضُهُمْ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الْأَثِيرِ بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ الْمُطَوَّلَةِ فَفِيهَا: لَمَّا أُنْزِلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ عَامِلًا، فَقَالَ: مَا هَذِه إِلَّا جِزْيَةٌ، أَوْ أُخْتُ الْجِزْيَةِ. وَالْجِزْيَةُ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِي التَّاسِعَةِ، فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فِي التَّاسِعَةِ، لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَادَّعَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ فَرْضَهَا كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَاحْتَجَّ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي قِصَّةِ هِجْرَتِهِمْ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَفِيهَا أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِلنَّجَاشِيِّ فِي جُمْلَةِ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ. انْتَهَى، وَفِي اسْتِدْلَالُهُ بِذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لَمْ تَكُنْ فُرِضَتْ بَعْدُ، وَلَا صِيَامَ رَمَضَانَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُرَاجَعَةُ جَعْفَرٍ لَمْ تَكُنْ فِي أَوَّلِ مَا قَدِمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ مُدَّةٍ قَدْ وَقَعَ فِيهَا مَا ذُكِرَ مِنْ قِصَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ جَعْفَر، فَقَالَ: يَأْمُرُنَا. بِمَعْنَى يَأْمُرُ بِهِ أُمَّتَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، وَأَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا - إِنْ سَلِمَ مِنْ قَدْحٍ فِي إِسْنَادِهِ - أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ. أَيْ: فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَلَا بِالصِّيَامِ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَلَا بِالزَّكَاةِ هَذِهِ الزَّكَاةَ الْمَخْصُوصَةَ ذَاتِ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الزَّكَاةِ كَانَ قَبْلَ التَّاسِعَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْعِلْمِ فِي قِصَّةِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَقَوْلُهُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ. آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا. وَكَانَ قُدُومُ ضِمَامٍ سَنَةَ خَمْسٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَعَ فِي التَّاسِعَةِ بَعْثُ الْعُمَّالِ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ فَرِيضَةِ الزَّكَاةِ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الزَّكَاةِ وَقَعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ إِنَّمَا فُرِضَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ الدَّالَّةَ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ مَدَنِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَثَبَتَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ أَيْضًا وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، ثُمَّ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute