﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ - إلى قوله - وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
١٤١٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ قال رسول الله ﷺ: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ" تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ وَقَالَ وَرْقَاءُ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَسُهَيْلٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ"
[الحديث ١٤١٠ - طرفه في: ٧٤٣٠]
قَوْلُهُ: (بَابُ لَا تُقْبَلُ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ سَبَقَ بَاقِيهِ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَأَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي كَامِلٍ أَحَدِ مَشَايِخِ مُسْلِمٍ فِيهِ بِلَفْظِ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً إِلَّا بِطُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ. وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وَلَا صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ) هَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، الْآتِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى﴾ - إِلَى قَوْلِهِ -: حَلِيمٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: جَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى عَادَتِهِ فِي إِيثَارِ الْخَفِيِّ عَلَى الْجَلِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي الْآيَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَمَّا تَبِعَتْهَا سَيِّئَةُ الْأَذَى بَطَلَتْ، وَالْغُلُولُ أَذًى إِنْ قَارَنَ الصَّدَقَةَ أَبْطَلَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، أَوْ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَعْصِيَةَ اللَّاحِقَةَ لِلطَّاعَةِ بَعْدَ تَقَرُّرِهَا تُبْطِلُ الطَّاعَةَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتِ الصَّدَقَةُ بِعَيْنِ الْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ الْغَالَّ فِي دَفْعِهِ الْمَالَ إِلَى الْفَقِيرِ غَاصِبٌ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، فَكَيْفَ تَقَعُ الْمَعْصِيَةُ طَاعَةً مُعْتَبَرَةً وَقَدْ أَبْطَلَتِ الْمَعْصِيَةُ الطَّاعَةَ الْمُحَقَّقَةَ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهَا؟ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ رَشِيدٍ بِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَذَى أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَصَدِّقِ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ أَوِ إِيذَائِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْغُلُولِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى، وَقَدْ لَا يُسَلَّمُ هَذَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ لِبُعْدِهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَى فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ مَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْمَسْئُولِ لِلسَّائِلِ، فَإِنَّهُ عُطِفَ عَلَى الْمَنِّ وَجُمِعَ مَعَهُ بِالْوَاوِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ بِهِ غُلُولٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ نَحْوُهُ تَأَذَّى بِذَلِكَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ، كَمَا قَاءَ أَبُو بَكْرٍ اللَّبَنَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ طَيِّبٍ، وَقَدْ صَدَقَ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ أَنَّهُ مُؤْذٍ لَهُ بِتَعْرِيضِهِ لِكُلِّ مَا لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ فَسَّرَهُ بِالرَّدِّ الْجَمِيلِ، وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ أَيْ: عَفْوٌ عَنِ السَّائِلِ إِذَا وَجَدَ مِنْهُ مَا يَثْقُلُ عَلَى الْمَسْئُولِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ عَفْوٌ مِنَ اللَّهِ بِسَبَبِ الرَّدِّ الْجَمِيلِ، وَقِيلَ: عَفْوٌ مِنْ جِهَةِ السَّائِلِ أَيْ مَعْذِرَةٌ مِنْهُ لِلْمَسْئُولِ لِكَوْنِهِ رَدَّهُ رَدًّا جَمِيلًا. وَالثَّانِي أَظْهَرُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَحْبُطُ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى بَعْدَ أَنْ تَقَعَ سَالِمَةً، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَعَلَّ قَبُولَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى سَلَامَتِهَا مِنَ الْمَنِّ وَالْأَذَى، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ عُدِمَ الشَّرْطُ فَعُدِمَ الْمَشْرُوطُ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْإِبْطَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَانِ): الْأَوَّلُ دَلَّ قَوْلُهُ: لَا تُقْبَلُ صَدَقَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute