للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ"

[الحديث ١٤١٩ - طرفه في: ٢٧٤٨]

قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ صَدَقَةِ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ، وَصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ الْآيَةَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُرَادُ فَضْلُ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَعَلَى الثَّانِي كَأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي إِطْلَاقِ أَفْضَلِيَّةِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَأَوْرَدَ التَّرْجَمَةَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مَا مُلَخَّصُهُ: مُنَاسَبَةُ الْآيَةِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ التَّحْذِيرُ مِنَ التَّسْوِيفِ بِالْإِنْفَاقِ اسْتِبْعَادًا لِحُلُولِ الْأَجَلِ وَاشْتِغَالًا بِطُولِ الْأَمَلِ، وَالتَّرْغِيبُ فِي الْمُبَادَرَةِ بِالصَّدَقَةِ قَبْلَ هُجُومِ الْمَنِيَّةِ وَفَوَاتِ الْأُمْنِيَةِ. وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ فِي الْحَدِيثِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ فَيَتَصَدَّقُ عِنْدَ انْقِطَاعِ أَمَلِهِ مِنَ الْحَيَاةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي آخِرِهِ بِقَوْلِهِ: وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، وَلَمَّا كَانَتْ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ عَلَى إِخْرَاجِ الْمَالِ مَعَ قِيَامِ مَانِعِ الشُّحِّ دَالًّا عَلَى صِحَّةِ الْقَصْدِ وَقُوَّةِ الرَّغْبَةِ فِي الْقُرْبَةِ كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ الشُّحِّ هُوَ السَّبَبُ فِي هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ تَقْدِيمُ آيَةِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى آيَةِ الْبَقَرَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِالْعَكْسِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ) هُوَ ابْنُ زِيَادٍ.

قَوْلُهُ: (جَاءَ رَجُلٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبَا ذَرٍّ، فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ، لَكِنَّ فِي الْجَوَابِ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ، أَوْ سَرٍّ إِلَى فَقِيرٍ، وَكَذَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ فَأُجِيبُ.

قَوْلُهُ: (أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا) فِي الْوَصَايَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ.

قَوْلُهُ: (أَنْ تَصَّدَّقَ) بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَأَصْلُهُ تَتَصَدَّقَ، فَأُدْغِمَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ) فِي الْوَصَايَا: وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ. قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى: الشُّحُّ بُخْلٌ مَعَ حِرْصٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: الشُّحُّ مُثَلَّثُ الشِّينِ وَالضَّمُّ أَعْلَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ: كَأَنَّ الْفَتْحَ فِي الْمَصْدَرِ وَالضَّمَّ فِي الِاسْمِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ أَنَّ الْمَرَضَ يُقَصِّرُ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ بَعْضِ مِلْكِهِ، وَأَنَّ سَخَاوَتَهُ بِالْمَالِ فِي مَرَضِهِ لَا تَمْحُو عَنْهُ سِيمَةَ الْبُخْلِ، فَلِذَلِكَ شَرَطَ صِحَّةَ الْبَدَنِ فِي الشُّحِّ بِالْمَالِ، لِأَنَّهُ فِي الْحَالَتَيْنِ يَجِدُ لِلْمَالِ وَقْعًا فِي قَلْبِهِ لِمَا يَأْمُلُهُ مِنَ الْبَقَاءِ فَيَحْذَرُ مَعَهُ الْفَقْرَ، وَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لِلْمُوصِي وَالثَّالِثُ لِلْوَارِثِ، لِأَنَّهُ إِذَا شَاءَ أَبْطَلَهُ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ لِلْمُوصِي أَيْضًا لِخُرُوجِهِ عَنِ الِاسْتِقْلَالِ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا يَشَاءُ، فَلِذَلِكَ نَقَصَ ثَوَابُهُ عَنْ حَالِ الصِّحَّةِ. قَالَ ابنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: لَمَّا كَانَ الشُّحُّ غَالِبًا فِي الصِّحَّةِ فَالسَّمَاحُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ أَصْدَقُ فِي النِّيَّةِ وَأَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، بِخِلَافِ مَنْ يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ، وَرَأَى مَصِيرَ الْمَالِ لِغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَتَأْمُلُ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ: تَطْمَعُ.

قَوْلُهُ: (إِذَا بَلَغَتْ) أَيِ: الرُّوحُ، وَالْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَهُ، إِذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ. وَلَمْ يَجْرِ لِلرُّوحِ ذِكْرٌ اغْتِنَاءً بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ. وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

باب

١٤٢٠ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ