للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَائِشَةَ أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ : أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا، فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَبِهِ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَسَقَطَ لِأَبِي ذَرٍّ، فَعَلَى رِوَايَتِهِ هُوَ مِنْ تَرْجَمَةِ فَضْلِ صَدَقَةِ الصَّحِيحِ، وَعَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ مِنْهُ، وَأَوْرَدَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ قِصَّةَ سُؤَالِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ مِنْهُ: أَيَّتُهُنَّ أَسْرَعُ لُحُوقًا بِهِ، وَفِيهِ قَوْلُهُ لَهُنَّ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا. الْحَدِيثَ. وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ تَضَمَّنَ أَنَّ الْإِيثَارَ وَالِاسْتِكْثَارَ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي زَمَنِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ سَبَبٌ لِلَّحَاقِ بِالنَّبِيِّ ، وَذَلِكَ الْغَايَةُ فِي الْفَضِيلَةِ، أَشَارَ إِلَى هَذَا الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ. وقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّهُ تَبَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِطُولِ الْيَدِ الْمُقْتَضِي لِلَّحَاقِ بِهِ الطَّوْلُ (١)، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَأَتَّى لِلصَّحِيحِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمُدَاوَمَةِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الْمُرَادُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ السَّائِلَةِ مِنْهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، إِلَّا عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: قَالَتْ: فَقُلْتُ. بِالْمُثَنَّاةِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: فَقُلْنَ بِالنُّونِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: يَدًا، وَأَطُولُكُنَّ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.

قَوْلُهُ: (فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا) أَيْ: يُقَدِّرُونَهَا بِذِرَاعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ بِالنَّظَرِ إِلَى لَفْظِ الْجَمْعِ لَا بِلَفْظِ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَإِنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمْ

أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ تَعْظِيمًا. وَقَوْلُهُ: أَطُولُكُنَّ يُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَقَالَ: طُولَاكُنَّ.

قَوْلُهُ: (فَكَانَتْ سَوْدَةُ) زَادَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ.

قَوْلُهُ: (أَطْوَلُهُنَّ يَدًا) فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ: ذِرَاعًا، وَهِيَ تُعِينُ أَنَّهُنَّ فَهِمْنَ مِنْ لَفْظِ الْيَدِ الْجَارِحَةَ.

قَوْلُهُ: (فَعَلِمْنَا بَعْدُ) أَيْ: لَمَّا مَاتَتْ أَوَّلُ نِسَائِهِ بِهِ لُحُوقًا.

قَوْلُهُ: (إِنَّمَا) بِالْفَتْحِ، وَالصَّدَقَةُ بِالرَّفْعِ، وَطُولَ يَدِهَا بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ الْخَبَرُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا) كَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ، وَوَقَعَ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ لِلْمُصَنِّفِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَسْرَعَنَا إِلَخْ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ الدُّورِيِّ، عَنْ مُوسَى، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ سَعْدٍ عَنْهُ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ - يَعْنِي الْوَاقِدِيَّ - هَذَا الْحَدِيثُ: وُهِلَ فِي سَوْدَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَهِيَ أَوَّلُ نِسَائِهِ بِهِ لُحُوقًا، وَتُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَبَقِيَتْ سَوْدَةُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ. قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: هَذَا الْحَدِيثُ سَقَطَ مِنْهُ ذِكْرُ زَيْنَبَ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ السِّيَرِ عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ، يَعْنِي أَنَّ الصَّوَابَ: وَكَانَتْ زَيْنَبُ أَسْرَعَنَا إِلَخْ، وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تِلْكَ الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمُصَرَّحُ فِيهَا بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِسَوْدَةَ. وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيِّ: ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ سَوْدَةَ كَانْتَ أَسْرَعَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ زَيْنَبَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنَ الْأَزْوَاجِ، ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَالْعَجَبُ مِنَ الْبُخَارِيِّ، كَيْفَ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ وَلَا أَصْحَابُ التَّعَالِيقِ، وَلَا عَلِمَ بِفَسَادِ


(١) هو بفتح الطاء أي الجود وسعة العطاء. والله أعلم