للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الزِّنَادِ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عُمَرَ سَاعِيًا عَلَى الصَّدَقَةِ. وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهَا صَدَقَةُ الْفَرْضِ، لِأَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا يُبْعَثُ عَلَيْهَا السُّعَاةُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ: الْأَلْيَقُ أَنَّهَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْفَرْضَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ مَا مَنَعُوهُ كُلُّهُمْ جَحْدًا وَلَا عِنَادًا، أَمَّا ابْنُ جَمِيلٍ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا، ثُمَّ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا حَكَاهُ الْمُهَلَّبُ، وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ فِيهِ نَزَلَتْ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾ الْآيَةَ. انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَةَ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَكَانَ مُتَأَوِّلًا بِإِجْزَاءِ مَا حَبَسَهُ عَنِ الزَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ الْعَبَّاسُ لِاعْتِقَادِهِ مَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ، وَلِهَذَا عَذَرَ النَّبِيُّ خَالِدًا، وَالْعَبَّاسَ، وَلَمْ يَعْذُرِ ابْنَ جَمِيلٍ.

قَوْلُهُ: (فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ) قَائِلُ ذَلِكَ عُمَرُ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِصَّةِ الْعَبَّاسِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ: فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَلْمِزُ أَيْ: يَعِيبُ. وَابْنُ جَمِيلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، لَكِنْ وَقَعَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الْمُلَقِّنِ أَنَّ ابْنَ بَزِيزَةَ سَمَّاهُ حُمَيْدًا، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ بَزِيزَةَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ بَدَلَ ابْنِ جَمِيلٍ، وَهُوَ خَطَأٌ لِإِطْبَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى ابْنِ جَمِيلٍ، وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ: أَنَّهُ كَانَ أَنْصَارِيًّا، وَأَمَّا أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ فَهُوَ قُرَشِيٌّ فَافْتَرَقَا، وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ الْبَكْرِيَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَمْثَالِ لَهُ أَنَّهُ أَبُو جَهْمِ بْنُ جَمِيلٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَبَّاسُ) زَادَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنْ يُعْطُوا الصَّدَقَةَ قَالَ: فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَذَبَّ عَنِ اثْنَيْنِ: الْعَبَّاسِ، وَخَالِدٍ.

قَوْلُهُ: (مَا يَنْقِمُ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ: مَا يُنْكِرُ أَوْ يَكْرَهُ، وَقَوْلُهُ: فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِنَّمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ نَفْسَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَصْبَحَ غَنِيًّا بَعْدَ فَقْرِهِ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَأَبَاحَ لِأُمَّتِهِ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَهَذَا السِّيَاقُ مِنْ بَابِ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ إِلَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَغْنَاهُ فَلَا عُذْرَ لَهُ، وَفِيهِ التَّعْرِيضُ بِكُفْرَانِ النِّعَمِ وَتَقْرِيعٌ بِسُوءِ الصَّنِيعِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ.

قَوْلُهُ: (احْتَبَسَ) أَيْ: حَبَسَ.

قَوْلُهُ: (وَأَعْتُدَهُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ جَمْعُ عَتَدٍ بِفَتْحَتَيْنِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: أَعْتَادَهُ وَهُوَ جَمْعُهُ أَيْضًا، قَيلَ: هُوَ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّلَاحِ، وَقِيلَ: الْخَيْلُ خَاصَّةً، يُقَالُ: فَرَسٌ عَتِيدٌ، أَيْ: صُلْبٌ أَوْ مُعَدٌّ لِلرُّكُوبِ أَوْ سَرِيعُ الْوُثُوبِ، أَقْوَالٌ. وَقِيلَ: إِنَّ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ: وَأَعْبُدَهُ بِالْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ عَبْدٍ، حَكَاهُ عِيَاضٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ.

قَوْلُهُ: (فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا) كَذَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، وَلَمْ يَقُلْ وَرْقَاءُ وَلَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: صَدَقَةٌ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَكُونُ أَلْزَمُهُ بِتَضْعِيفِ صَدَقَتِهِ (١) لِيَكُونَ أَرْفَعَ لِقَدْرِهِ وَأَنْبَهَ لِذِكْرِهِ وَأَنْفَى لِلذَّمِّ عَنْهُ، فَالْمَعْنَى فَهُي صَدَقَةٌ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، سَيَصَّدَّقُ بِهَا وَيُضِيفُ إِلَيْهَا مِثْلَهَا كَرَمًا، وَدَلَّتْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ: فَهِيَ عَلَيَّ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى سَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ الْعَمَّ صِنْوُ الْأَبِ تَفْضِيلًا لَهُ وَتَشْرِيفًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَمَّلَ عَنْهُ بِهَا، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ رِوَايَةِ: عَلَيَّ، وَرِوَايَةِ: عَلَيْهِ، بِأَنَّ الْأَصْلَ رِوَايَةُ: عَلَيَّ. وَرِوَايَةُ: عَلَيْهِ مِثْلُهَا إِلَّا أَنَّ فِيهَا زِيَادَةُ هَاءِ السَّكْتِ، حَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، عَنِ ابْنِ نَاصِرٍ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: عَلَيَّ؛ أَيْ: هِيَ عِنْدِي قَرْضٌ لِأَنَّنِي اسْتَسْلَفْتُ مِنْهُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِيمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثٍ عَلِيٍّ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: إِنَّا كُنَّا احْتَجْنَا فَتَعَجَّلْنَا مِنَ


(١) هذا فيه نظر، وظاهر الحديث يدل على أنه تركها له وتحملها عنه وسمى ذلك صدقه تجوزا وتسامحا في اللفظ، ويدل على ذلك رواية مسلم فهي "علي ومثلها" فتأمل