للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ مَالِهِ سَنَتَيْنِ.

وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مَوْصُولًا بِذِكْرِ طَلْحَةَ فِيهِ، وَإِسْنَادُ الْمُرْسَلِ أَصَحُّ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَ عُمَرَ سَاعِيًا، فَأَتَى الْعَبَّاسَ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ فَقَالَ: إِنَّ الْعَبَّاسَ قَدْ أَسْلَفَنَا زَكَاةَ مَالِهِ الْعَامَ، وَالْعَامَ الْمُقْبِلَ. وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا هُوَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ نَحْوَ هَذَا، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَتَهُ سَنَتَيْنِ. وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ رَافِعًا لِلْإِشْكَالِ، وَلَرَجَحَ بِهِ سِيَاقُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ قِصَّةَ التَّعْجِيلِ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي وَقْتٍ غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي بَعَثَ فِيهِ عُمَرَ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ، وَلَيْسَ ثُبُوتُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَةِ الْعَبَّاسِ بِبَعِيدٍ فِي النَّظَرِ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى اسْتَسْلَفَ مِنْهُ قَدْرَ صَدَقَةِ عَامَيْنِ ; فَأَمَرَ أَنْ يُقَاصَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتُبْعِدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقَعَ لَكَانَ أَعْلَمَ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْعَبَّاسَ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ.

وَمَعْنَى عَلَيْهِ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ أَيْ: لَازِمَةٌ لَهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْبِضُهَا، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ حَرَامٌ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ رِوَايَةَ الْبَابِ عَلَى ظَاهِرِهَا، فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ: فَهِيَ لَهُ بَدَلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: اللَّامُ هُنَا بِمَعْنَى عَلَى لِتَتَّفِقَ الرِّوَايَاتُ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ الْمَخْرَجَ وَاحِدٌ، وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ حِبَّانَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهَا فَهِيَ لَهُ أَيْ: الْقَدْرُ الَّذِي كَانَ يُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَهُ، لِأَنَّنِي الْتَزَمْتُ عَنْهُ بِإِخْرَاجِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَخَّرَهَا عَنْهُ ذَلِكَ الْعَامَ إِلَى عَامٍ قَابِلٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ عَامَيْنِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ اسْتَدَانَ حِينَ فَادَى عَقِيلًا وَغَيْرَهُ، فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَارِمِينَ، فَسَاغَ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَأَبْعَدُ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ هَذَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ التَّأْدِيبُ بِالْمَالِ، فَأَلْزَمَ الْعَبَّاسَ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ ضِعْفَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، لِعَظَمَةِ قَدْرِهِ وَجَلَالَتِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ : ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ الْآيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ.

وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ خَالِدٍ عَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ مَالِ الزَّكَاةِ فِي شِرَاءِ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْإِعَانَةِ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَجَازَ لِخَالِدٍ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ بِمَا حَبَسَهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْبُخَارِيِّ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ أَخْبَارَ مَنْ أَخْبَرَهُ بِمَنْعِ خَالِدٍ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ، وَإِنَّمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمُوهُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: تَظْلِمُونَهُ؛ أَيْ بِنِسْبَتِكُمْ إِيَّاهُ إِلَى الْمَنْعِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ، وَكَيْفَ يَمْنَعُ الْفَرْضَ وَقَدْ تَطَوَّعَ بِتَحْبِيسِ سِلَاحِهِ وَخَيْلِهِ؟ ثَانِيهَا: أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ فَطَالَبُوهُ بِزَكَاةِ قِيمَتِهَا، فَأَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا حَبَسَ، وَهَذَا يَحْتَاجُ لِنَقْلٍ خَاصٍّ فَيَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنِ الْأَمْوَالِ الْمُحَبَّسَةِ، وَلِمَنْ أَوْجَبَهَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ.

ثَالِثُهَا: أَنَّهُ كَانَ نَوَى بِإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ، لِأَنَّ أَحَدَ الْأَصْنَافِ سَبِيلُ اللَّهِ وَهُمُ الْمُجَاهِدُونَ، وَهَذَا يَقُولُهُ مَنْ يُجِيزُ إِخْرَاجَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ يُجِيزُ التَّعْجِيلَ كَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِدْلَالُ الْبُخَارِيِّ بِهِ عَلَى إِخْرَاجِ الْعُرُوضِ فِي الزَّكَاةِ.

وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ خَالِدٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَحْبِيسِ الْحَيَوَانِ وَالسِّلَاحِ، وَأَنَّ الْوَقْفَ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ تَحْتَ يَدِ مُحْتَبِسِهِ، وَعَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ الْعُرُوضِ فِي الزَّكَاةِ - وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ - وَعَلَى صَرْفِ الزَّكَاةِ إِلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الثَّمَانِيَةِ. وَتَعَقَّبَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ جَمِيعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ، مُحْتَمِلَةٌ لِمَا ذُكِرَ وَلِغَيْرِهِ، فَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحْبِيسُ خَالِدٍ إِرْصَادًا وَعَدَمَ تَصَرُّفٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ التَّحْبِيسِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ