للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِيهِ.

قَوْلُهُ: (عَثَرِيًّا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ تَشْدِيدُ الْمُثَلَّثَةِ، وَرَدَّهُ ثَعْلَبٌ وَحَكَى ابْنُ عُدَيْسٍ فِي الْمُثَلَّثِ فِيهِ ضَمَّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانَ ثَانِيهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ، زَادَ ابْنُ قُدَامَةَ، عَنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى: وَهُوَ الْمُسْتَنْقَعُ فِي بِرْكَةٍ وَنَحْوِهَا، يُصَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فِي سَوَاقٍ تُشَقُّ لَهُ، قَالَ: وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعَاثُورِ، وَهِيَ السَّاقِيَةُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ، لِأَنَّ الْمَاشِيَ يَعْثُرُ فِيهَا. قَالَ: وَمِنْهُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنَ الْأَنْهَارِ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ، أَوْ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ كَأَنْ يُغْرَسَ فِي أَرْضٍ يَكُونُ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْ وَجْهِهَا فَيَصِلُ إِلَيْهِ عُرُوقُ الشَّجَرِ فَيَسْتَغْنِي عَنِ السَّقْيِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَوْلَى مِنَ إِطْلَاقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْعَثَرِيَّ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ، لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ، وَكَذَا قَوْلُ مَنْ فَسَّرَ الْعَثَرِيَّ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا حَمْلَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ فِي هَذِهِ التَّفْرِقَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا خِلَافًا.

قَوْلُهُ: (بِالنَّضْحِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، أَيْ: بِالسَّانِيَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَذَكَرَ الْإِبِلَ كَالْمِثَالِ، وَإِلَّا فَالْبَقْرُ وَغَيْرُهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ. . . إِلَخْ) هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هَذَا الْكَلَامُ عَقِبَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعَثَرِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَيْضًا، وَجَزَمَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ بِأَنَّ ذِكْرَهُ عَقِبَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ نُسَّاخِ الْكِتَابِ. انْتَهَى. وَلَمْ يَقِفِ الصَّغَانِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، فَجَزَمَ بِأَنَّهُ وَقَعَ هُنَا فِي جَمِيعِهَا، قَالَ: وَحَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، قُلْتُ: وَلِذِكْرِهِ عَقِبَ كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ وَجْهٌ، لَكِنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْأَوَّلِ يُرَجِّحُ كَوْنَهُ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَسَّرُ للَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ بِعُمُومِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ، وَفِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا يُسْقَى بِمُؤْنَةٍ وَبِغَيْرِ مُؤنَةٍ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مُخْتَصٌّ بِالْمَعْنَى الَّذِي سِيقَ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، فَإِنَّهُ مُسَاقٌ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ وَقَدْرِهِ، فَأَخَذَ بِهِ الْجُمْهُورُ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ بَعْدُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ كَلَامَ الْبُخَارِيِّ وَقَعَ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَدَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى التَّفْرِقَةِ فِي الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ الَّذِي يُسْقَى بِنَضْحٍ أَوْ بِغَيْرِ نَضْحٍ، فَإِنْ وُجِدَ مَا يُسْقَى بِهِمَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ إِذَا تَسَاوَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ كَانَ حُكْمُ الْأَقَلِّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَالثَّانِي يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ أَمْكَنَ فَصْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُخِذَ بِحِسَابِهِ، وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ: الْعِبْرَةُ بِمَا تَمَّ بِهِ الزَّرْعُ وَانْتَهَى وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ، قَالَهُ ابْنُ التِّينِ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ): قَالَ النَّسَائِيُّ عَقِبَ تَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ: رَوَاهُ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَسَالِمٌ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ، وَقَوْلُ نَافِعٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: (هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ: لَمْ يَذْكُرْ حَدًّا لِلنِّصَابِ، وَقَوْلُهُ: (وَبَيَّنَ فِي هَذَا) يَعْنِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.

قَوْلُهُ: (وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ) أَيْ: مِنَ الْحَافِظِ، وَالثَّبَتُ بِتَحْرِيكِ الْمُوَحَّدَةِ: الثَّبَاتُ وَالْحُجَّةُ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ): أَيْ: الْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ، لِأَنَّ فِيمَا سَقَتْ عَامٌّ يَشْمَلُ النِّصَابَ وَدُونَهُ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ خَاصٌّ بِقَدْرِ النِّصَابِ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الْبَيَانُ وَفْقَ الْمُبِينِ لَا زَائِدًا عَلَيْهِ وَلَا نَاقِصًا عَنْهُ، أَمَّا إِذَا انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ مَثَلًا، فَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ كَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا، فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى النِّصَابِ فِيمَا يَقْبَلُ التَّوْسِيقُ، وَسَكَتَ عَمَّا لَا يَقْبَلُ التَّوْسِيقُ فَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ. أَيْ: مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّوْسِيقُ فِيهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ