للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْجَوَابُ أَنَّ اعْتِقَادَ الشَّهَادَتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ اعْتِقَادِ التَّشْبِيهِ وَدَعْوَى بُنُوَّةِ عُزَيْرٍ وَغَيْرِهِ فَيُكْتَفَى بِذَلِكَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْإِسْلَامِ الِاقْتِصَارُ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى يُضِيفَ إِلَيْهَا الشَّهَادَةَ لِمُحَمَّدٍ بِالرِّسَالَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِيرُ بِالْأُولَى مُسْلِمًا وَيُطَالَبُ بِالثَّانِيَةِ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ بِالْحُكْمِ بِالرِّدَّةِ.

(تَنْبِيهَانِ) أَحَدُهُمَا: كَانَ أَصْلُ دُخُولِ الْيَهُودِيَّةِ فِي الْيَمَنِ فِي زَمَنِ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبَ، وَهُوَ تُبَّعُ الْأَصْغَرُ، كَمَا حَكَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ.

ثَانِيهِمَا: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: تَبَرَّأَتِ الْيَهُودُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعُزَيْرَ ابْنُ اللَّهِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ، لِأَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي زَمَنِهِ، وَالْيَهُودُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا، فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ وَلَا تَعَقَّبَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَا جَمِيعُهُمْ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَائِلَ مِنَ النَّصَارَى: إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَا جَمِيعُهُمْ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الطَّائِفَةُ انْقَرَضَتْ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ كَمَا انْقَلَبَ اعْتِقَادُ مُعْظَمِ الْيَهُودِ عَنِ التَّشْبِيهِ إِلَى التَّعْطِيلِ وَتَحَوَّلَ مُعْتَقَدُ النَّصَارَى فِي الِابْنِ وَالْأَبِ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا الْحِسِّيَّةِ، فَسُبْحَانَ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ) أَيْ شَهِدُوا وَانْقَادُوا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ: فَإِنْ هُمْ أَجَابُوا لِذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَلَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ: فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ. وَعَدَّى أَطَاعَ بِاللَّامِ، وَإِنْ كَانَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى انْقَادَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَيْسُوا بِعَارِفِينَ وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُظْهِرُونَ مَعْرِفَتَهُ، لَكِنْ قَالَ حُذَّاقُ الْمُتَكَلِّمِينَ: مَا عَرَفَ اللَّهَ مَنْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْيَدَ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَدَ (١) فَمَعْبُودُهُمُ الَّذِي عَبَدُوهُ لَيْسَ هُوَ اللَّهُ وَإِنْ سَمَّوْهُ بِهِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ حَيْثُ دُعُوا أَوَّلًا إِلَى الْإِيمَانِ فَقَطْ، ثُمَّ دُعُوا إِلَى الْعَمَلِ، وَرَتَّبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِالْفَاءِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا فَأَخْبِرْهُمْ. يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُطِيعُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الدَّعْوَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ فِي الْوُجُوبِ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ، وَقَدْ قُدِّمَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرُتِّبَتِ الْأُخْرَى عَلَيْهَا بِالْفَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالصَّلَاةِ إِسْقَاطُ الزَّكَاةِ.

وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَرْتِيبِ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّلَاةِ أَنَّ الَّذِي يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ وَيَجْحَدُ الصَّلَاةَ يَكْفُرُ بِذَلِكَ، فَيَصِيرُ مَالُهُ فَيْئًا فَلَا تَنْفَعُهُ الزَّكَاةُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: إِنَّ ذِكْرَ الصَّدَقَةِ أُخِّرَ عَنْ ذِكْرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَأَنَّهَا لَا تُكَرَّرُ تَكْرَارَ الصَّلَاةِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَتَمَامُهُ أَنْ يُقَالَ: بَدَأَ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَذَلِكَ مِنَ التَّلَطُّفِ فِي الْخِطَابِ لِأَنَّهُ لَوْ طَالَبَهُمْ بِالْجَمِيعِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لَمْ يَأْمَنِ النُّفْرَةَ.

قَوْلُهُ: (خَمْسَ صَلَوَاتٍ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِقْرَارَهُمْ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ وَالْتِزَامِهِمْ لَهَا، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الطَّاعَةَ بِالْفِعْلِ، وَقَدْ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْإِخْبَارُ بِالْفَرِيضَةِ، فَتَعُودُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَيْهَا، وَيَتَرَجَّحُ الثَّانِي بِأَنَّهُمْ لَوْ أُخْبِرُوا بِالْفَرِيضَةِ فَبَادَرُوا إِلَى الِامْتِثَالِ بِالْفِعْلِ لَكَفَى وَلَمْ يُشْتَرَطِ التَّلَفُّظُ بِخِلَافِ الشَّهَادَتَيْنِ، فَالشَّرْطُ عَدَمُ الْإِنْكَارِ وَالْإِذْعَانُ لِلْوُجُوبِ. انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَمَنِ امْتَثَلَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْفِعْلِ كَفَاهُ أَوْ بِهِمَا فَأَوْلَى،


(١) لاشك أن من شبه الله بخلقه أو أضاف إليه الولد جاهل به سبحانه ولم يقدره حق قدره، لأنه سبحانه لا شبيه له ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا. وأما إضافة اليد إليه شبحانه فمحل تفصيل، فمن أضافها إليه سبحانه على أنها من جنس أيدي المخلوقين فهو مشبه ضال، وأما من أضافها إليه على الوجه الذي يليق بجلاله من غير أن يشابه خلقه في ذلك فهذا حق، واثباتها لله على هذا الوجه واجب كما نطق به القرآن وصحت به السنة، وهو مذهب أهل السنة، فتنبه. والله الموفق