كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ، وَكَذَا رَوَاهُ طَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ عَائِشَةَ، وَيَحْتَمِلُ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: أَهَلَّتْ عَائِشَةُ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا كَمَا فَعَلَ غَيْرُهَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَلَى هَذَا يُنَزَّلُ حَدِيثُ الْأَسْوَدِ وَمَنْ تَبِعَهُ: ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ أَنْ يَفْسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ مَا صَنَعُوا، فَصَارَتْ مُتَمَتِّعَةً. وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ حَدِيثُ عُرْوَةَ: ثُمَّ لَمَّا دَخَلَتْ مَكَّةَ وَهِيَ حَائِضٌ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى الطَّوَافِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ أَمَرَهَا أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ. عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ)؛ أَيْ غَيْرُهَا، لِقَوْلِهَا بَعْدَهُ: فَلَمْ أَطُفْ؛ فَإِنَّهُ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهَا: تَطَوَّفْنَا مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يُحِلَّ)؛ أَيْ مِنَ الْحَجِّ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَهَذَا هُوَ فَسْخُ الْحَجِّ الْمُتَرْجَمِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ)؛ أَيِ الْهَدْيَ.
قَوْلُهُ: (فَأَحْلَلْنَ)؛ أَيْ وَهِيَ مِنْهُنَّ، لَكِنْ مَنَعَهَا مِنَ التَّحَلُّلِ كَوْنُهَا حَاضَتْ لَيْلَةَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ، وَقَدْ مَضَى فِي الْبَابِ قَبْلَهُ بَيَانُ ذَلِكَ وَأَنَّهَا بَكَتْ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا: كُونِي فِي حَجِّكِ. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ ﷺ أَمَرَهَا أَنْ تَجْعَلَ عُمْرَتَهَا حَجًّا، وَلِهَذَا قَالَتْ: يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَرْجِعُ بِحَجٍّ. فَأَعْمَرَهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ مِنَ التَّنْعِيمِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عُرْوَةَ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُرِيدُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ وَجَعْلِهَا حَجًّا بِخِلَافِ جَعْلِ الْحَجِّ عُمْرَةً فَإِنَّهُ وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ مِنْ بَعْدِهِمْ، لَكِنْ أَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَنْ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ارْفُضِي عُمْرَتَكِ أَيِ اتْرُكِي التَّحَلُّلَ مِنْهَا، وَأَدْخِلِي عَلَيْهَا الْحَجَّ فَتَصِيرُ قَارِنَةً، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ؛ أَيْ عَنْ أَعْمَالِهَا. وَإِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَرْجِعُ بِحَجٍّ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّ إِفْرَادَ الْعُمْرَةِ بِالْعَمَلِ أَفْضَلُ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاسْتُبْعِدَ هَذَا التَّأْوِيلُ لِقَوْلِهَا فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْهَا: وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ لَيْسَ مَعَهَا عُمْرَةٌ.
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ الْكُوفِيِّينَ: إِنَّ عَائِشَةَ تَرَكَتِ الْعُمْرَةَ وَحَجَّتْ مُفْرِدَةً، وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهَا فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: دَعِي عُمْرَتَكِ، وفِي رِوَايَةٍ: ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ إِذَا أَهَلَّتْ بِالْعُمْرَةِ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ أَنْ تَتْرُكَ الْعُمْرَةَ وَتُهِلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْهَا ضَعْفٌ، وَالرَّافِعُ لِلْإِشْكَالِ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ عَائِشَةَ أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِسَرِفَ حَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: أَهِلِّي بِالْحَجِّ، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَسَعَتْ. فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ، قَالَ: فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْهَا: فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: طَوَافُكِ يَسَعُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ؛ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً لِقَوْلِهِ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ، وَإِنَّمَا أَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا، لِكَوْنِهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ لَمَّا دَخَلَتْ مُعْتَمِرَةً. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا سَهْلًا إِذَا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قِصَّةِ صَفِيَّةَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ وَعَلَى مَا فِي قِصَّةِ اعْتِمَارِ عَائِشَةَ مِنَ الْفَوَائِدِ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَأَرْجِعُ لِي بِحَجَّةٍ.
قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ: (فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ) كَذَا فِيهِ هُنَا، وَسَيَأْتِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِلَفْظِ: فَلَمْ يَحِلُّوا بِزِيَادَةِ فَاءٍ، وَهُوَ الْوَجْهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي:
قَوْلُهُ: (عَنِ الْحَكَمِ) هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - بِالْمُثَنَّاةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا - الْفَقِيهُ الْكُوفِيُّ، وعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ هُوَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ.
قَوْلُهُ: (شَهِدْتُ عُثْمَانَ، وَعَلِيًّا) سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِعُسْفَانَ.
قَوْلُهُ: (وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا)؛ أَيْ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ) فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَنْ